زبر من الفوائد القرآنية ونوادر من الفرائد والفرائد القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[فوائد من سورة الحجرات]

صفحة 206 - الجزء 1

  وضياعها و ... إلخ.

  ٢ - أن يلزم الطرفين بالصلح ويحكم به عليهم على حسب ما يراه صواباً.

  ولا شك أن الأمر الثاني أهون.

  فإن قيل: قد ورد فيمن يحكم بغير ما أنزل الله ما ورد مثل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ٤٤}⁣[المائدة].

  قلنا: قد أمر الله تعالى أن نصلح بين المتقاتلين أمراً مطلقاً؛ فإذا أصلحنا بينهما على حسب ما نراه من الصواب فقد أدينا ما أُمرنا به، وقد أمرنا بالصلح بين الناس كما أمرنا بالحكم بينهم، فلم يدخل المصلح في عموم الآية.

  - وقوله تعالى في آخر الآية: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٩}⁣[الحجرات]، هذا هو الصلح الثاني فقد أمر الله تعالى فيه المؤمنين المصلحين بأن يقوموا ضد المعتدي من الطرفين ويقاتلوه حتى يكف عن عدوانه ويرجع إلى أمر الله، فإذا رجع إلى الصواب وترك القتال - وجب على المؤمنين أن يصلحوا بينهما بالحق والعدل، وذلك بأن يلزموا كل طرف بضمان ما وقع منه من جناية على الطرف الآخر في كل صغير وكبير.

  قد يقال: ما هو السر في إطلاق الصلح الأول، وتقييد الصلح الثاني بالعدل والقسط؟

  فيقال في الجواب: لعل السر والله أعلم أنه لم يتعين المعتدي من الطرفين في الصلح الأول، ولم يتحدد لنا الظالم منهما من المظلوم، بل إن كل طرف يعتقد أنه على الحق وأنه غير معتدٍ، وهذا في الغالب، فإذا كان الأمر كذلك فلا يتأتى الحكم بين الطرفين بالحق والعدل إذ يحتمل أن كل واحد من الطرفين ظالماً ومظلوماً، والمظلوم المدافع عن نفسه لا يضمن ما حدث منه من جراحات أو غيرها؛ لأنه مدافع عن نفسه، والظالم يلزمه ويحكم عليه بما جنى على المظلوم.

  فكان ذلك الالتباس والاحتمال عائقاً أمام تحري الحق والعدل فيما جرى بين