[فوائد من سورة العلق]
  وقد عرف العرب في تلك العصور بمقدرتهم على الحفظ في صدورهم فكانوا يحفظون الأنساب وتواريخ العرب وأيامهم وقصصهم وأشعارهم وخطبهم ودقائق أخبارهم، يحفظون ذلك حفظاً، يتلقاه الآخر من الأول.
  وقد جاءت صفتهم بالحفظ في صدورهم في الكتب المقدسة السابقة حين وصفت أتباع النبي الأمي بأن صحائفهم في صدورهم.
  وما زال المسلمون كذلك يتلقون العلم من أفواه العلماء، ويحفظونه في صدورهم إلى القرن الثاني الهجري حين رأى العلماء أن الحفظ قد بدأ يضعف ويتناقص؛ فكتبوا ما نقلوه من العلماء، فكتبوا سيرة النبي ÷ وتفاصيل أخباره وأخبار آبائه وأجداده وأمهاته وجداته، وكتبوا سنته التي هي أقواله وأفعاله ومعاملاته وأخلاقه، وكل ما يتعلق به.
  وكتبوا أخبار أصحابه وتواريخهم وسيرهم وأقوالهم وأفعالهم، وكتبوا تفسير القرآن الذي سمع من النبي ÷ ومن الصحابة ومن التابعين، وكتبوا تواريخ العرب وأخبارهم وقصصهم وأيامهم ودقائق أخبارهم، ودونوا شعر كل شاعر من شعرائهم، ودونوا خُطب خطبائهم، وأمثالهم، ولم يفتهم من علم تأريخ العرب وأنسابهم شيء تقريباً.
  وكانت بداية تأريخ العرب من عهد عدنان وقحطان، أما ما سبق ذلك العهد فلا ركون عليه؛ لأن النبي ÷ لم يقبل من علماء الأنساب إلا إلى عدنان، ولم يقبل منهم ما فوق ذلك.
  - وفي ذلك أن أول العلم معرفة الله حق معرفته حيث نبه في تلك الآيات التي هي أول ما نزل من آيات القرآن على أن الله تعالى هو الرب الذي خلق الإنسان من علق، وأنه تبارك وتعالى هو الذي علم الإنسان الكتابة بالقلم، وعلمه ما لا يعلم، فنبه إلى النظر في آيات قدرته وآيات علمه ورحمته التي إذا ما أمعن الإنسان النظر، وأنعم الفكر فيها - علم ربوبية الله وعظمته وقدرته وعلمه وحكمته وعظيم رحمته.