المبحث الثاني الإنشاء
  وللعلماء تعليل لطيف في أسباب قلب الإنشاء إلى الخبر يتلخص في، أن الأدب والذوق قد يقودان المتكلم إلى العزوف عن الأمر، ولا سيما أمر الكبير العظيم.
  ويقولون: إن قول إنسان لرئيسه أو سيده أو مليكه أو حبيبه: «يسمح لي سيدي بالإنصات» خير من قوله: «اسمح لي يا سيدي بالإنصات لحظات»؛ لأن في العبارة الأخيرة أمراً، وإن كان دعاء أو رجاء، وفي التعبير الأول أدب ولطف هما من صفات البليغ المرهف.
(٢) قد يحل الإنشاء محل الخبر
  وفي العربية صيغ شتى ظاهرها الإنشاء وحقيقتها الخبر والبلاغيون يعدون هذه الصيغ في زمرة الإنشاء.
  فلو قرأنا قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: ٢٩] أو قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ٥٤ مِنْ دُونِهِ}[هود: ٥٤ - ٥٥].
  لاحظنا في الآية الأولى عطف فعل الأمر أقيموا - وهو إنشاء طلبي على جملة خبرية «أمر ربي»، وأن معنى الأمر في حقيقته: «وإقامة وجوهكم». وتكون العبارة على الوجه الجديد: «قل أمر ربي بالقسط وإقامة وجوهكم عند كل مسجد».
  أما الآية الثانية فقد بدأت بالصيغة الخبرية «إني أشهد الله»، ثم عطف عليها جملة إنشائية طلبية «واشهدوا». ومعناها في الحقيقة «وأشهد» وهي صيغة خبرية. وتكون العبارة على الوجه الجديد: «قال إني أشهد الله