البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثالث المسند إليه

صفحة 137 - الجزء 1

  وانتقلت هذه القاعدة إلى البلاغة، فإذا نحن نقدم الأهم على المهم وذا الفائدة على غير ذي الفائدة والأصيل على الدخيل، والثابت على المتحوّل.

  وانطلاقاً من قواعد السلوك هذه نقدم المسند إليه إذا حمل الأغراض التالية وما شابهها.

١ - التشويق إلى الكلام المتأخر

  قال أبو العلاء المعري:

  والذي حارت البرية فيه ... حيوان مُسْتَحْدَتْ من جمادِ⁣(⁣١)

  فأول البيت فيه تشويق للسامع على معرفة كنه هذا الذي حارت الدنيا فيه، وداخت العوالم من فعاله، والسامع يتساءل: من هو هذا المخلوق؟ من أي عجينة صنع هل يمشي على قدمين أو أربع، أو يزحف على وجهه أو على بطنه. هل هو من عالم الإنسان أو الحيوان أو الجماد؟ وتتراكض الأسئلة وتتتابع تفتش عن الجواب.

  ثم يأتي الجواب: إنه «حيوان مستحدَثٌ من جماد» إذن، هو الإنسان الذي خُلق من فخار، وجُبل من تراب وآدم أول المخلوقات، صنعه الله من طين أول ما صنعه.

  إذن، في التقديم فائدة التشويق. ولهذا فحق التشويق التقديم.

  وفرق بين أن نقول: الحيوان المستحدث من جماد حارت البرية فيه، وأن نقول كما قال المعري.


(١) من قصيدة يرثي بها صديقه أبا حمزة الفقيه. المشار إليها سابقاً.