البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

مدرسة النظم

صفحة 20 - الجزء 1

  العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني»⁣(⁣١) قال فيه:

  «اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها، وأعلاها، وأنزهها، وإذا تأملته عرفت منه و به ما يُؤْنِفُك، ويذهب في الاستحسان له كل مذهب بك. وذلك أن العرب كما تُعنى بألفاظها فتصلحها وتهذبها وتراعيها، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، وبالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها، فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قدراً في نفوسها».

  ويقول: «فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسّنوها، وحَمَوْا حواشيها وهذبوها وصقلوا غروبها⁣(⁣٢) وأرهفوها، فلا ترين أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ، بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويه بها وتشريف منها ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتزكيته، وإنما المبغي بذلك منه الاحتياط للموعى عليه، وجواره بما يعطر نشره، ولا يَعُرُ⁣(⁣٣) جوهره، كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يهجّنه، ويغضّ منه كدْرة لفظه وسوء العبارة عنه».

  إذاً، فرأي ابن جني أن العرب إذا اعتنت بألفاظها، فإنما هي تخدم المعاني التي تحملها تلك الألفاظ والمعاني عندها أكرم قذراً، وأرفع شأناً وأعلى مكاناً من الألفاظ والشأن كلّ الشأن للمعاني.

  ***

مدرسة النظم

  أما الفريق الثالث، وهو الأعم الأغلب في تاريخ رجال البلاغة العربية، فقد وحد النظرة إلى وجهي الكلمة: لفظها ومعناها، ورأى فيها


(١) الصفحات ٢١٥ - ٢٢١.

(٢) استعارة من غروب الأسنان، أي أطرافها.

(٣) يعيب، يسيء وأصله من العُر وهو الجَرَب.