علم المعاني
  الخطبة الحانقة؟ إنه إن فَعَلَ هذا كان من الغافلين، الجاهلين، بل إن فَعَل هذا فليس له من الذكاء والفهم نصيب وهو باب العلم وسيد البلاغة والبيان.
  لقد وقف ¥ وألقى خطبة مُسهَبَةً، لا أَعظَمَ منها ولا أروع. رماهم بشهب وصواعق، وتركهم سُبَّةَ الأجيال على مدار الزمان.
  «يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلُومُ الأطفال، وعقولُ ربّاتِ الحِجال. لَوَدِدتُ أنّى لم أركم، ولم أعرفكُم معرفةٌ جرّت - والله - نَدَماً، وأعقبت سَدَماً. قاتلكم الله. يُغارُ عليكم، ولا تُغيرون، ويُعصَى الله وترضون»!
  نفى علي كرم الله وجهه عنهم صفة الرجولة، كما نفى عنهم صفات الأنوثة، فلا هُم بالرجال، ولا هم بالنساء. وإنما هم بين النساء والرجال، وأصعب بهذا من نعت. ثم نفى عنهم العقل الراجح، والفكر الموزون، ورماهم بما يُرمَى به ضعفاء التفكير، وحمقى الناس. وأكد على أنه ندم حين عرفهم، وقدم إليهم. وأقسم على هذا الندم يميناً مغلظاً. وتحدّث عن آلامه وأشجانه، ودعا عليهم، وأخيراً وصفهم بالخلو من الشرف والنخوة، لأن الرجل الشريف يدافع عن حريمه إذا هوجمت حريمه. أما هم فلم يدافعوا كما رماهم بقلة الدين يَرَونَ المعاصي فلا يثورون، وأكثر من هذا هم لها يقترفون!
  أفليس المقام الذكي موجباً لهذا الشباب، ولهذه اللعنات، ولهذه الكلمات النارية القاتلة؟
  ابن أبي طالب ذكي أريب. وكان في قمة البلاغة في هذا الإسهاب.
  ***