المبحث الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة
تقويم جديد للإيجاز والإطناب
  يُخَيَّل إلينا أن الإيجاز والإطناب يصُبّان في مجرى واحد، هو «المساواة».
  والذي نعنيه بـ «المساواة» موافقة المعاني لمقدار الألفاظ، لا يزيد بعضها على بعض.
  فالرجل الذي وقف أمام ملك، أو عظيم، أو وزير، أو عالم، وعبر عن حاجته بكلمات معدودة، هو في ظاهر الحال رجل موجز، بينا كلامه القليل أدى مراده، وفَعَل فعله في نفس سامعه الذكيّ العظيم. وكان ذلك هو المطلوب؛ كما كان ذلك القول هو القول المناسب، المساوي لمقتضى الحال.
  والسياسي الذي يقف أمام جماهير بلده، ويخطب فيها، مبيناً لها السياسة التي ينهجها، والخُطَّة التي يرسمها، والمستقبل الذي ينتظرها، والعقبات التي يواجهها، والأعداء التي يحاربها، والأصدقاء التي يسالمها. يحتاج إلى كلام كثير وشرح وتفصيل وأدلة وبراهين، لأن هذه الجماهير خليط من الناس فيها المتعلم، وشبه المتعلم، والجاهل، والمغفّل، ودو الفهم السقيم.
  إن هذه الخطبة الطويلة، والكلام الكثير هي المطلوبة في هذا الموقف، وهي القول المناسب، المساوي لمقتضى الحال.
  إذاً، الغاية التي سعى إليها الرجل أمام الملك، والسياسي أمام الجماهير واحدة. فالأول رمى إلى قضاء حاجة أو جَرّ منفعة، ووصل إلى ما أراد بكلامه الموجز، والثاني رمى إلى كسب ود الجماهير، وطاعتها، أو سوقها إلى حرب أو سلام، ووصل إلى ما أراد بكلامه الطويل.