البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة

صفحة 180 - الجزء 1

  أفَلا نستطيع بعد هذا أن نقول: إن الإيجاز والإطناب يؤديان إلى غاية واحدة، ويَصُبّان في مجرى واحد، هو «المساواة»؟

  ***

  يُذكرني هذا بالجملة الخبرية التي قسمها العلماء إلى ثلاثة أضرب: ضرب ابتدائي يُلقى على خالي الذهن، وضَرب إنكاري يُلقى على رجل منكر، وضَرب طَلَبّي يُلقى على شالاً أو متردّد. وبالتأكيد الذي يصاحب الخبر وحال المخاطب يقف خالي، الذهن، والمنكر، والشاك على صعيد واحد، وهو تصديق ما جاء بالخبر.

  كذلك يذكرني هذا بالخبر الذي خرج على مقتضى الظاهر، فعومل فيه المنكر معاملة غير المنكر، كما عومل غير المنكر معاملة المنكر، أو المتردد. فقيل للملحد المنكر: «الله موجود»، وقيل لمن يضرب أمه ويركلها برجله: «والله إنّ الجنة تحت أقدام الأمهات». وإذا هذه الأخبار ترتد إلى الأصل الأول الذي يعامل فيه خالي الذهن بضرب ابتدائي، والمنكر بضرب إنكاري، والشاك بضرب طلبيّ بعد أن تدخلت العوامل النفسية في الموضوع.

  ***

  قد يقول قائل: ليس من الحق أن نجعل على صعيد واحد جوامع الكلم، وروائع القول، وجواهر النتاج العقلي الذي سبك بأحلى لفظ، ووسي بأجمل تعبير مع تلك الأقوال الفضفاضة التي لا تُنتج بعد مخض كثير سوى دَسَم قليل. إن من الظلم أن نجعل هذا وذاك على قدم المساواة، وإن الحق ليقضي أن يُفصل الإيجاز عن الإطناب، وتقوم المساواة بينهما وسطاً.

  هذه النظرة حق، لا ريب فيها. وأحقيَّتُها تعود إلى الصورة التالية: