البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 51 - الجزء 2

  والخلاصة. أن الأصل في التشبيه أن يجري على السَّنن المعروف عند العرب. والذي يتمثل في أن يلتمس المشبه به مما هو معروف ومألوف في حياتهم حتى ولو كان المشبه أقوى وأعظم في الصفة التي يشترك فيها مع المشبه به.

  فالعرب مثلاً قد اشتهر بينهم عمرو بن معدِ يكَرب بالإقدام، وحاتِمَ بالجود، وأحنف بن قيس بالحلم، وإياس بالذكاء وأصبح كل واحد من هؤلاء مثلاً عالياً في الصفة التي اشتهر بها. فالأسلوب العربي يقضي على الشاعر أن يجعل كل واحد من هؤلاء الأعلام مشبهاً به، سواء أوجد بعده من هو أعظم منه في الصنعة وأقوى أم لم يوجد.

  وقد سلك القرآن الكريم هذا السنن، فشبه نور الله سبحانه وتعالى وهو بلا شك أقوى الأنوار، بنور المصباح في مشكاة، لأن العرب جَرَوا على عادة أن يجعلوا نور المصباح أكبر الأنوار وأعظم الأضواء

  كذلك اطردت العادة في البلاغة على تشبيه الأدنى بالأعلى، فإذا جاء الأمر على خلاف ذلك فهو التشبيه المعكوس أو المقلوب طلباً للمبالغة بادعاء أن وجه الشبه في المشبه أقوى منه في المشبه به.

  وقد شاع ذلك، كما يقول ابن الأثير، في كلام العرب واتسع حتى صار كأنه الأصل في التشبيه. والواقع أن هذا الضرب من التشبيه حسن الموقع، لطيف المأخذ، وهو مظهر من مظاهر الافتتان والإبداع في التعبير.

  والشرط في استعمال التشبيه المقلوب ألا يَرِدَ إلا فيما جرى عليه العُرف والإلف لدى العرب، وذلك حتى تظهر فيه بوضوح صورة القلب والانعكاس.