البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 64 - الجزء 2

  وذلك أن موضع الاستحسان، ومكان الاستظراف، والُمثير للدفين من الارتياح، والمتألف للنافر من المسرة، والمؤلّف لأطراف البهجة، أنك ترى بها (التشبيهات) الشيئين مِثْلَيْن مُتَبَايِنَيْنِ، ومؤتلفين مختلفين، وترى الصورة الواحدة في السماء والأرض، وفي خلقة الإنسان وخلال الروض ...

  وإذا ثبت هذا الأصل، وهو أن تصوير الشبه بين المختلفين في الجنس مما يحرك قُوى الاستحسان، ويُثير المكامن من الاستظراف، فإن التمثيل (التشبيه) أخص شيءٍ بهذا الشأن).

  ***

  وبعد، فالتشبيه وسيلة العالم والأديب إلى شرح ما يجول في خاطره أو يدور في خياله ... ثم إنه أساس من أسس الاستعارة، ومادة رئيسية في كل صورة فنية مبدعة.

  ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي:

  بَليتُ بِلى الأطلالِ إن لم أقف بها ... وُقوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التَّرْبِ خَاتَمُهُ

  يدعو على نفسه بالبلى والفناء إذا هو لم يقف بالأطلال ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أراد أن يصور لك هيئة وقوفه فقال: (إنه لسوف يقف على آثار أحبته كما يقف شحيحٌ فقد خاتمه في التراب. صورة فنية رائعة ... فيها رسم ذلك الإنسان البخيل، الذاهل، المتحّير، المحزون، المطرق برأسه، المتنقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة)⁣(⁣١)

  تلك صورة المشبه به ... وهي نور كشاف يهدينا إلى بيان حال المشبه


(١) البلاغة الواضحة ص ٦٦ (بتصرف)، وجواهر البلاغة ص ٢٨٦.