البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 65 - الجزء 2

  وتوضيح معالمه ... ومن خلال هذا النور الكاشف نهتدي إلى تبيّن ملامح العاشق الذي وقف على الأطلال، وعند كل حجر، وشجر، وذرة رمل، وآثار أحبة ... يبكي عليها، ويستبكي الوجود رحمةً بحاله التي آل إليها بعد أن رحلوا

  ونعتقد أن سبب نجاح الصورة ليس بإيراد المشبه والمشبه به مقرونين إلى بعضها، كما يفعل العالِم أو معلم المدرسة الذي يبتغي توضيح الأمور لتلامذته ... وإنما بذلك الخيال الُمجَنَّح الذي طار به الشاعر إلى سماوات عليا، وبتلك العاطفة الفوارة النابضة بالحرارة وآلاءِ الحياة ... ومن مجموع هذه العناصر تركبت الصورة، وظهرت حتى لَتَلْمسها اليد، وتراها العين ... رغم أنها صورة مُتخيَّلة ليس إلا

  ولله در مؤلَّفي (البلاغة الواضحة) حين لَّخصا بلاغة التشبيه وبعض ما أثر منه عن القدماء والمحدثين، فقالا

  (تنشأ بلاغة التشبيه من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه إلى شيءٍ طريف يُشبهه أو صورة بارعة تمثله. وكلما كان هذا الانتقال بعيداً قليل الخطورة بالبال، أو ممتزجاً بقليل أو كثير من الخيال، كان التشبيه أروع للنفس، وأدعى إلى إعجابها واهتزازها فإذا قلت: فلان يشبه فلاناً في الطول، أو إن الأرض تشبه الكرة في الشكل، أو إن الجزر البريطانية تشبه بلاد اليابان، لم يكن لهذه التشبيهات أثر للبلاغة، لظهور المشابهة وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة وجهد أدبي، ولخلوها من الخيال.

  وهذا الضرب من التشبيه يقصد به البيان والإيضاح وتقريب الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.

  ولكنك تأخذك روعة التشبيه حينما تسمع قول المعري يصف نجماً: