البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام المجاز

صفحة 83 - الجزء 2

  الوزراء والحكام والقائمون على تسيير أمور الدولة ... وهؤلاء الناس لا يقومون بفعل البناء بأنفسهم، فلا يحملون المعاولَ والأحجار والأخشابَ والحديدَ والإسمنت ليصُبُّوا جداراً بعد جدار، أو ليركّبوا باباً بعد باب، إن ذلك عمل العُمَّال والدولة أصدرت أمراً ببناءِ الجامعات ... وكان هذا الأمر سبباً في البناء ومن هنا صحَّ قولنا: بَنَتِ الحكومةُ جامعاتٍ.

  أسنذنا الفعل (بي) إلى غير فاعله الحقيقي ... وكانت العلاقة المسوغة لهذا الإسناد هي السَّببية. والقريبة التي منعت من الإسناد الحقيقي يدركُها العقل ... والعقلُ هو الذي يحكم بأن الحكومة ليس من شأنها هذا التنفيذ الفعلي، وإنما هو من اختصاص غيرها

  لنأخذ مثالاً آخر على هذه العلاقة.

  نقول: يفعل المال ما لا تفعله القوة.

  أسندنا الفعل (يفعل) إلى المال إسناداً مجازيَّا، غير حقيقي، لأن المال مادةٌ جامدةُ لا روح فيها ولا حياة، إن رَمَيْنَهَا ارْتَمَتْ، وَإِنْ رَفَعْتَها ارتفعت، وإن أحرقتها احترقت. لا تملك من أمرها شيئاً. لكنّ للمال صفة معنوية أخرى هي: قوةُ أثره في هذه الدنيا، فالذين يملكون المال الكثير يصلُون إلى تحقيق ما يتمنون بسهولة ويُسر بينما لا يستطيع الفقراء تحقيق ما يصبُون إليه، ولو كانوا أعلم الناس ... إن المال هو السببُ الأساسيّ في رفع أُناسٍ لا يستحقّون الرفع، وفقدانه سببٌ في خفض آخرين لا يستأهلون الخفض.

  وإسناد الفعل (يفعل) إلى المال إسنادٌ مجازي علاقته السببية، والقرينة المانعة من الإسناد الحقيقي: عقلية.