البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

بين الفصاحة والبلاغة

صفحة 31 - الجزء 1

  هذه الصورة الخاصة المتميزة تتفق كل الاتفاق وكلمة: «مُسْتَشْزرات» بما فيها من حركة لسان مضطربة، لأنّ في شعر الفتاة، ومحاولة تنظيمه اضطراباً، وتنظيمه لا يكون إلا في حركات صغيرة خفيفة سريعة. ولقد نجح امرؤ القيس في كلمة «مُسْتَشْزرات» أيما نجاح، وجار عليه البلاغيون والنقاد.

  ***

  لنأخذ مثلاً آخر من القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}⁣[التوبة: ٣٨]

  لندرس الأداء الفنّي الذي قامت به لفظة «اثاقلتم» بكل ما تكوّنته من حروف، ومن صورة ترتيب هذه الحروف، ومن حركة التشديد على الحرف اللثوي «الثاء»، والمد بعده، ثم مجيء القاف الذي هو من حروف القلقلة، ثم التاء المهموسة، والميم التي تنطبق عليها الشفتان، ويخرج صوتها من الأنف. ألا نجد نظام الحروف، وصورة أداء الكلمة ذاتها أوحت لنا بالمعنى، قبل أن يَرِدَ علينا المعنى من جهة المعاجم؟ ألا نلاحظ في خيالنا ذلك الجسم المثّاقل يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط في أيديهم في ثقل؟ ألا نحس أن البُطْءَ في تلفظ الكلمة ذاتها يوحي بالحركة البطيئة التي تكون من المثّاقل⁣(⁣١)؟

  هذه اللفظة غير فصيحة في منطق، البلاغيين، وفي منطق قواعدهم. وهي الفصاحة ذاتها في منطق التصوير الفني والتعبير الرفيع.


(١) التصوير الفنّي في القرآن ص ٧٩.