بين الفصاحة والبلاغة
  لنجرّب أن نكون في صف، البلاغيين وفي حدود قاعدتهم في فصاحة الكلمة، ونبدل المفردة القرآنية ونضع مكانها كلمة «تثاقلتم» فماذا يحدث؟
  ألا نحس أن شيئاً من الخفة والسرعة والنشاط أوحت به لفظة تثاقلتم بسبب رصف حروفها وزوال حركة الشدة، وسبق التاء للثّاء؟
  هذه الخفة والسرعة والنشاط غير مقصودة في الآية القرآنية الكريمة، وهي لا تصوّر حركة المثاقل المطلوبة؛ فكلمة تثاقلتم رغم توافر شروط البلاغيين فيها غير فصيحة في هذا المكان واللفظة الفصيحة هي: «اثّاقلتم» وحدها.
  ونستطيع أن نقيس على المثالين السابقين قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}[النساء: ٧٢] وإنا لمدركون أن صورة التبطئة أدتها الكلمة لَيُبَطِّئَنَّ بجرسها إضافة إلى ما أدته النونات في الكلمتين السابقتين من تأكيد لهذا الجَرْس الخاص.
  إذن فصاحة الكلمة لا تكون إلا إذا وقعت الكلمة في موقعها المناسب، وأدت الغاية منها.
  ويطلب علماء هذا الفن الرفيع من الكلمة أن تكون مأنوسة، مفهومة لدى سامعها وقارئها؛ فإذا ما كانت غريبة المعنى وحشية المضمون، مهملة الاستعمال، أدت إلى انقطاع سياق الفهم، وأربكت السامع، وأوقعته في تيه من الجهل، فهو لا يدري ما المراد منها، ثم هو لا يدري المعنى الذي بني عليها.
  أنس الألفاظ، وسهولة فهمها أساس في التعبير الفني البديع. وهنا