البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

بين الفصاحة والبلاغة

صفحة 33 - الجزء 1

  يعترضنا سؤال: متى تكون الكلمة مأنوسة، سهلة، سائغة في القلوب والألباب؟ ومن يحق له أن يحكم عليها بهذه الأحكام، فيصفها بالإيناس، أو يرميها بالغرابة والوحشة؟ أيمكن لكل قارئ أو سامع أن يطلق مثل هذه الأحكام؟ ألا يختلف الناس في مقادير عقولهم، وأذواقهم، وثقافاتهم، واطلاعهم؟ أيتساوى الجاهل أو شبه الجاهل والإنسان العالم المتبحر؟ أليس في الحياة رجل متعلم ورجل مثقف؟ هذا المتعلم الذي خرج من حدود الأمية والوصف بالجهل، وذاك المثقف الذي تضلع وارتوى من علوم العربية وآدابها، واطلع على مختلف الفنون والثقافات ووقف على دقائق اللغة وأسرار العربية ثم شدا شيئاً قليلاً أو كثيراً من علوم اللغات الأخرى، وآدابها أيمكن أن نسوّي هذا بذلك؟

  من الحق، بل من العدل ألا نتيح للناس جميعاً أن يكونوا في مرتبة الحكّام. إن من الواجب أن نقبل حكم فريق ونرفض حكم فريق آخر، لنبقي للعدالة رونقها، وللأحكام هيبتها وصدقها.

  ولو تركنا الحبل على الغارب، وأجزنا لكل إنسان أن يقول ما يشاء، ويقرر ما يرى لاختلط الحابل بالنابل وضاعت الفروق، وضلّت الأحكام طريقها إلى الحق والعدل والصواب وأدى الأمر إلى أن نشهد أقوالاً وأحكاماً في كثير من الروائع تهبط بها، وتشهد على عدم رونقها وبلاغتها؛ لأن الحاكمين لم يفهموا بعض مفرداتها، ولم يستوعبوا شيئاً من مضمونها.

  المقياس الحق هو الذي يشهد به الإنسان المثقف، وهو القادر على الأحكام الصادقة العادلة وحده. أما الجاهل أو شبه الجاهل فحقه أن يسكت لأنا بحكمه لا نعتد، وبقوله لا نرضى.

  ***

  كذلك يطالب علماء هذا الفن الجميل أن تكون الجملة جارية وفق