البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثاني فن المجاز

صفحة 120 - الجزء 2

  يا ظبية البان ترعى في خمائله ... لِيَهْنِكِ اليومَ أَنَّ القلب مَرْعَاكِ

  الماءُ عندك مبذولٌ لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمعي الباكي

  سهمٌ أصاب وراميه بذي سلمٍ ... من بالعراق. لَقَدْ أَبْعَدْتِ مَرْمَكِ

  من هي يا ترى تلك الظبية التي كانت ترعى بالأمس في خمائل البان، وغدت ترعى اليوم في قلب الشاعر ... ؟

  من هي يا تُرى تلك التي عافت الشُّرب من الينابيع الصافية، وراحت تنهل من مدامع الشاعر وعينيه ... ؟

  وكيف أطلقت الظبيةُ الحجازيةُ سهماً، بلغت به العراق، وأصابت قلب الشاعر بل كيف استطاعت ذلك على بعد المسافات؟

  أتراها كانت ظبية تمشي على أربع؟ أم أن الشاعر استعار الظبية للدلالة على حبيب أو حبيبة من أرض الحجاز؟

  ظبية الحيوان ترعى من الخمائل، أما ظبية الشاعر الإنسانية فمرعاها القلب.

  ظبية الحيوان تَنْهَل من ماء الينابيع، أمَّا ظبية الشاعر الإنسانية فمنهلها من دموع الشاعر وأشواقة.

  ظبية الحيوان ذاتُ عيون أخاذة، أمَّا ظبية الشاعر الإنسانية فسهام عينيها تصمي وتصيب على بعد آلاف الأميال.

  ألسنا نحس في أعماقنا بوجود حبيب خَفِي ... إليه يُوَجَّه الخطاب وتُبَثُّ النجوى والشكوى؟

  ألسنا نستطيع القول: إن الشاعر شَبَّه مَن يحب بالظبية، ثم حذف ذكر