البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثاني فن المجاز

صفحة 139 - الجزء 2

  وبعد، فإنا من خلال الأمثلة التي عرضناها نستنتج أن المجاز المركب بالاستعارة التمثيلية: هو تركيب استعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة معناه الوضعي، بحيث يكون كل من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة من مركب، وذلك بأن تشبه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين، أو أمور بأخرى.

  ثم تُدخل المشبه في الصورة المشبهة بها، مبالغة في التشبيه، ويسمى بالاستعارة التمثيلية⁣(⁣١) وهي كثيرة الورود في الأمثال السائرة، نحو (الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ) ويُضرب لمن فَرَّط في تحصيل أمر في زمن يمكنه الحصول عليه فيه، ثم طلبه في زمن لا يمكنه الحصول عليه فيه⁣(⁣٢) ونحو: (إني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى)⁣(⁣٣) ويُضرب لمن يتردد في أمر، فتارة يُقدم، وتارة يحجم. ونحو: (أَحَشَفاً وَسُوء كِيلَةٍ؟)⁣(⁣٤) ويضرب لمن يظلم من


(١) سميت تمثيلية مع أن التمثيل عام في كل استعارة، للإشارة إلى عظم شأنها، كأنَّ غيرها ليس فيه تمثيل أصلاً، إذ الاستعارة التمثيلية مبنية على تشبيه التمثيل. ووجه الشبه فيه هيئة منتزعة من مركب، لهذا كان أدق أنواع التشبيه. وكانت الاستعارة المبنية عليه أبلغ أنواع الاستعارات، ولذلك كان كلٌ من تشبيه التمثيل، والاستعارة التمثيلية عرض البلغاء (انظر جواهر البلاغة ص ٣٣٣).

(٢) أصل المثل أن امرأة كانت متزوجة بشيخ غني، فطلبت الطلاق منه في زمن الصيف لضعفه، فطلَّقت، وتزوجت بشاب فقير، ثم طلبت من مطلقها لبناً وقت الشتاء، فقال لها ذلك المثل (انظر جمهرة الأمثال المطبوع على هامش أمثال الميداني ٢/ ٩٢).

(٣) أصل المثل: ما كتب به الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد، وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له: (أما بعد، فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيها شئت، والسلام).

انظر ما كتبه الإمام الجرجاني في أسراره ص ٩٠ طبعة رابعة - المنار).

(٤) أصل المثل: أن رجلاً اشترى تمراً من آخر، فإذا هو رديء، وناقص الكيل. فقال المشتري: أحشفاً وسوء كيلة. (انظر مجمع الأمثال للميداني).