أقسام المجاز
  وكما يقول عبد القاهر الجرجاني: إن فضيلة الاستعارة الجامعة تتمثل في أنها تبرز البيان أبداً في صورة مستجدة تزيد قدره نُبلاً، وتوجب له بعد الفضل فضلاً، وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتست فيها فوائد، حتى تراها مكررة في مواضع، ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد، وشرف منفرد.
  ومن خصائصها التي تذكر بها، وهي عنوان مناقبها: أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعاً من الثمر(١)
  ومن خصائصها كذلك التشخيص والتجسيد في المعنويات، وبث الحركة والحياة والنطق في الجماد ... فإنك لترى بها الجهاد حيَّا ناطقاً، والأعجم فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفيَّة باديةّ جلية ... وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها، إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلا الظنون وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها(٢)
  يقول الله تعالى في تصوير العذاب الذي أعده للكافرين به: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٦ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ٧ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨}[الملك](٣).
(١) أسرار البلاغة ص ٣٢.
(٢) أسرار البلاغة ص ٣٣.
(٣) الشهيق: أصله الصوت المزعج كصوت الحمار، والمراد به هنا (الحسيس) وهو الصوت الخفي =