بين الفصاحة والبلاغة
  وفي بعض الأحوال تكون اللفظة المفردة يسيرة النطق، سيّالة على الأذن واللسان، ولكنها إذا رُصِفت إلى غيرها نشأ عنها ثقل في اللسان، واضطراب في اللفظ، ويحدث ذلك في الغالب عند توارد ألفاظ متقاربة الحروف أو متقاربة المخارج.
  إن من الصعوبة بمكان أن يقرأ أحدنا بيت أبي تمّام بسرعة:
  كريم متى أمْدَحْه أمدحْه والورى ... معي، وإذا ما لُمْتُه لُمْتُهُ وحدي(١)
  وكذلك بيت الشاعر
  وقبر حرب بمكان قفرٍ ... وليس قرب قبر حرب قبر(٢)
  وقول القائلين:
  وقلقلتُ بالهم الذي قلقلَ الحَشا ... قلاقل هَم كلُّهنَّ قلاقلُ
  لو كنت كنت كتمت السر كنتَ كما ... كنا وكنت ولكن ذاك لم يكن
  والمجد لا يرضى بأن ترضى بأن ... يرضى المعاشر منك إلا بالرضا
  وتبقى مسألة تكرار بعض الألفاظ.
  والتكرار إن لم يكن له مسوّغ فنّي فهو ممقوت بغيض، يدل على ضعف ثروة الأديب اللغوية والفكرية، ولكنه يكون رائعاً حين تقتضيه الصورة، أو تطلبه العاطفة، أو ينشده الوجدان. وهل أحلى على المرء من أن يذكر من يحب، أو يكرر اسم من يهوى؟
  ونحب هنا، ونحن نتحدث عن التكرار أن نورد بيت الأعشى(٣):
(١) ديوان أبي تمّام ص ١٢٩؛ والدلائل ص ٤٠ و ٤١.
(٢) يُنسب هذا البيت إلى الجن. الحيوان ٢٠٧/ ٦؛ البيان والتبيين ٦٥/ ١؛ معاهد التنصيص للعباسي ١٢/ ١.
(٣) ديوان الأعشى ص ٤٥.