بين الفصاحة والبلاغة
  وقد غَدَوتُ إلى الحانوت يَتْبَعُن ... شاو. مِشَلٌ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَولُ
  هذا البيت لم يعجب النقاد والبلاغيين، وقد وصفوه بالبعد عن الفصاحة لكثرة الشينات في شطره الثاني.
  ونقول متفقين مع الدكتور محمد النويهي في دراسته للشعر الجاهلي: إن هذا الشعر من نوع الدُّعابة، والسخرية «Parody». وإن المراد منه الإضحاك. وهذا البيت يمثل الصورة الواضحة لمرح شاعر فرحان، وشباب خفيفين منطلقين إلى الحانة يتراقصون في طريقهم إليها، يميلون يمنةً، ويميلون يسرةً وغلامهم الرشيق الظريف يلحقهم، ويرقص كرقصهم في خطواته، وكأن الجميع منتشون بالخمرة قبل أن يصلوا إلى الحانة، أو كأنهم جرعوا كؤوساً قبل أن ينطلقوا إليها، فهم يترنحون ويتمايلون ويتراقصون وهم إذا حاولوا النشيد فلن يستطيعوه، لأن الشارب السكران يتلعثم في كلماته، ويتعثر في نشيده، ولقد فضحت الشينات الست التي توالت وتلاحقت في الشطر الثاني الشاعر الأعشى، وكان في تواليها تصوير لهذا السكر المؤدي إلى التلعثم واضطراب اللسان عند من لا يعقلون.
  أولسنا نقول عن البلاغة: إنها «مطابقة الكلام لمقتضى الحال؟» أليس مقتضى الحال هنا تصوير سكران يتلعثم؟ وهل أقرب إلى تصوير التلعثم من تكرار حروف معيّنة تكراراً كبيراً، وهو مقتضى الحال؟
  لذا، فإن لنا أن نخالف البلاغيين والناقدين، في حكمهم على هذا البيت، ونقول: لقد كان الأعشى في قمة الإبداع الفني حين كرّر هذه الشينات، وحين والى بين هذه الألفاظ المتقاربة المتشابهة.
  ***