البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثاني فن المجاز

صفحة 149 - الجزء 2

  التزم في التعبير حدود الحقيقة، وقال مثلاً: أنا لا أحاول ما يشين، لأني رجل عفيف.

  والأفلاك، وهي جماد، والدهر، وهو أمر معنوي ... يستحيلان في شعر البارودي⁣(⁣١) كائنات حية محسوسة، إذ يقول:

  إذا استلَّ منهم سَيِّدٌ غَرْبَ سيفه ... تَفَزَّعَتِ الأفلاكُ والتَفَتَ الدَّهْر

  فكل من (الأفلاك) و (الدهر) قد تحول بالاستعارة إلى كائن حيّ حساس

  فهاتان الاستعارتان قد أعاننا الشاعر على أن يرينا صورة الأجرام السماوية حية حساسة ترتعد خوفاً وفزعاً، وصورة الدهر إنساناً يلتفت عجباً وذهولاً كلما استل سيد من قبيل الشاعر المشهود لهم بالشجاعة والفروسية سيفه من غمده.

  هذه الصورة التي تموج بالحركة والاضطراب والحيوية والمشاعر المختلفة من فزع وخوف ودهشة هي وليدة الاستعارة التي بالغ الشاعر في استخدامها إلى حدّ يجعل المتملي لها يتولاه الذهول من هول المنظر الذي يراه ماثلاً أمام عينيه⁣(⁣٢)

  وأخيراً لنقرأ قول الشريف الرَّضي في الوداع:


(١) محمود سامي البارودي من شعراء النهضة، وأول من حاول معارضة الفحول من شعراء الجاهلية والعصور الإسلامية التالية، وجمع مختارات رائعة من شعرهم، وكان الدافع الأول إلى تجاوز أدب الضعف إلى أدب العافية. توفي سنة ١٣٢٣ هـ / ١٩٠٥ م.

(٢) علم البيان ١٩٥ - ٢٠٠.