بين الفصاحة والبلاغة
  الخلاصة، البلاغة فن التعبير الجميل، سِمة الفصحاء والأذكياء من الناس، وأرباب الذوق الرفيع. ولئن عدَّدَ العلماء شروطاً شتى في الكلمة المفردة لتكون فصيحة، وفي التركيب ليكون بليغاً، إنهم ما أغفلوا جانباً آخر لا يقل أهمية عن الشروط كلها ألا وهو موافقة الكلام مقتضى الحال، أو مناسبة المقال للمقام.
  وأمام هذا الجانب وحده تهون الشروط الأخرى، وقد يتسامح بالإخلال فيها إذا كان الإخلال في سبيل موافقة مقتضى الحال، وملاءمة الموقف، ومناسبة الموضوع.
  مقتضى الحال هو في الحقيقة لُبُّ البلاغة وجوهرها، إنه وَضعُ الكلمة المناسبة في المكان المناسب، إنه مخاطبة الناس على قدر عقولهم وفهومهم، إنه حديث الأذكياء بما يليق بالأذكياء، وإنه مخاطبة الأغبياء بما يليق بالأغبياء.
  مقتضى الحال هذا أن تخاطب الملوك بلغة تليق بالملوك، وتحدّث السوقة بما يفهمه السوقة والرعاع - مع مراعاة الفصاحة.
  مقتضى الحال أن تخاطب مَن فَقدَ أمه أو أباه أو حبيب قلبه، بلغة الدمع والحرقة والألم الكاوي؛ وأن تحدّث من طار به الشوق، وسَربَلَه الحظ والتوفيق وغنّت له الفرحة بلغة الزقزقة، والتغريد، وكلمات السعادة والفؤاد الخفاق.
  وإذا أخطأك التوفيق، ولم تُراع مقتضى الحال أخفقت فيما سعيت إليه، وابتذل الناس أسلوبك وسلقوك بألسنتهم ونبذوك وراءهم ظهرياً.
  إقرأ هذا الخبر الذي ورد في كتاب الأغاني: