البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 173 - الجزء 2

  لقد كانت الملاحن في الجاهلية وبعد الإسلام قليلة وأخبارها معدودة، لا تدل على شيوعها وانتشارها، ولكنها لم تذع وتنتشر على ألسنة الناس إلا في العصور العباسية المتأخرة، وقد عرفت باسم (المعمَّى).

  وفشت صنعة (المُعَمَّى) فتلاحن الناس بالإشارة والتصحيف وبغيرهما

  وينفل الرافعي عن رجل يدعى بأبي القاسم القطان أنه دخل على الوزير الزَّينبي يهنّيه بالوزارة، ودعا له، وأظهر الفرح، ورقص، فلما خرج قال الوزير لبعض أهل سره: قبّح الله هذا الشيخ، إنه يشير برقصه إلى قولهم: ارقص للقرد في دولته⁣(⁣١)

  ومن الُمعمَّى انتقل الشعراء إلى (الإلغاز والتعمية).

  والإلغاز مصدر الفعل (أَلْغَزَ). ويفسره اللغويون بقولهم: الغز فلان كلامه إذا وَرَّى وعَرَّض ليُخفي، أو على كلامه.

  وأصل معناه من اللغز، وهو الحفرة الملتوية يحفرها اليربوع والضب والفأر، لأن هذه الدواب تحفر جحرها مستقيماً إلى أسفل، ثم تحفر في جانب منه طريقاً، وفي الجانب الثاني طريقاً، وفي الجانب الآخر طريقاً، وكذلك في الجانب الثالث والرابع، فإذا طلب بعضها البدوي بعصاه من جانب النفق، هرب من الجانب الآخر

  ثم استعمله العرب للعبارة التي يدل ظاهرها على غير الموصوف بها ويدل باطنها عليه، وهي من قبيل (الملاحن).

  حدثنا السيوطي عن الإلغاز فقال: هي أنواع. ألغاز قصدتها العرب


(١) المصدر السابق ٤٢٠/ ٣.