البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 174 - الجزء 2

  وألغاز قصدتها أئمة اللغة، وأبيات لم تقصد العرب الإلغاز بها، وإنما قالتها فصادف أن تكون ألغازاً وهي نوعان: فإنها تارة يقع الإلغاز بها من حيث معانيها، وأكثر أبيات المعاني من هذا النوع.

  وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلداً حسناً، وكذلك ألف غيره، وإنما سموا هذا النوع (أبيات المعاني) لأنها تحتاج إلى أن يُسأل عن معانيها ولا تفهم من أول وهلة. وتارة يقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب. ثم أورد أمثلة من ذلك.

  ثم جاء الشعراء الصوفيون فأغرقوا في الرمز، وحملوا الألفاظ غير معانيها، وانطلقوا يعبرون بها عن مواجدهم وأشواقهم ... فإذا قرأتها قراءة سطحية فأنت واجد فيها معاني ظاهره، وغزلاً إنسانياً وشعراً كسائر شعر الشعراء الآخرين، وإذا تمعنت فيها، وعرفت لغة هؤلاء القوم ومقاصدهم وجدتها تتحدث عن عالم آخر، لا يمت إلى عالم الظاهر بصلة أو نسب.

  وسار على هذه الخطى شعراء المديح النبوي، وعلى رأسهم البوصيري في برديه ... فذكروا أسماء محبوبات، ومواطن، وألواناً من الحب، وفنوناً من الهوى .... هي في ظاهرها كائنات إنسانية، ومواطن في بلاد عربية، وعذاب يلقاه سائر المحبين ... أما إن أزلت المعاني القريبة الظاهرة، وتعمقت في أسلوب هؤلاء المحبين المداحين وجدت عالماً آخر يفوح بالعطر، والتقوى، والتغني بالشمائل النبوية، ويضج بالحنين إلى أرض الطهارات والقداسات.

  الفرق بين شعر المتصوفة وشعر المديح النبوي أن الأول طافح بذكر الخمر، والسكر، وألحان، وأسماء حبيبات كليلي وهند ولبني وعفراء، بينما خلا الثاني من ألفاظ الخمر وتوابعها، والنساء وأسمائها، واقتصر على الهوى ولواعجه.