البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البديعيات

صفحة 19 - الجزء 3

  في مقدمة شرحه لها: (نادرة في فنها، فريدة في حسنها، تجني ثمر البلاغة من غصنها، وتنهل سواكب الإجادة من مزنها، لم ينسج على منوالها، ولا سمحت قريحة بمثاله). وهذه المقدمة أوهمت عدداً من الدارسين أن يقولوا بأولية ابن جابر الأندلسي الأعمى، والذي تُعرف بديعيته باسم «بديعية العميان». ولكن العلماء الذين عاصروا ابن جابر، والذين كانوا أصدقاءه، لم يذكروا له هذه الأولية، وكان على رأسهم صلاح الدين الصفدي المتوفى بعد الصفي الحلي بأربعة عشر عاماً، وقد كان أستاذاً لا بن جابر، وصديقاً، وراوياً أخباره وأشعاره، وقد قال عنه في كتابه «نكت الهميان»: (وينظم الشعر جيداً، وأنشدني منه كثيراً، وهو الآن حي يرزق بناحية البيرة.. .) ولم يذكر عن بديعيته شيئاً مطلقاً. ويبدو أنه نظمها بعد وفاة صديقه الصفدي⁣(⁣١) ومطلعها:

  بطيبة انزل ويمم سيد الأمم ... وانشر له المدح، وانشر طيب الكليم

  ويخيل إلينا أن ابن جابر اطلع على بديعية صفي الدين الحلي، حين قدم إلى مصر، أو حين استوطن مدينة حلب. ومعلوم أن بين الحلة، مسقط رأس صفي الدين، والعراق بوجه عام، ومدينة ماردين التي استوطنها الحلي وبين حلب أواصر قربى، وصلات رحم، ولقاءات محبة، واتصال علماء، وتبادل ثقافة، ما لا تخفى على مطلع ودارس.

  ويكاد يتفق العلماء في الماضي والحاضر على أن صفي الدين⁣(⁣٢) أول من نهض بهذا الفن، وحمل لواءه، وحاز به قصب السبق.

  فالرجل شاعر فحل، وديوانه يحتوي على مختلف الأغراض، وفيه قصائد رائعة، لا تقل جودة عن بعض قصائد فحول العصر العباسي، ثم إنه رجل مال في أواخر حياته إلى التوبة والتقوى، والنظم في الموضوعات التي تنفعه في آخرته وترفعه في دنياه، وهو مع هذا كله عالم فحل، له عدا ديوانه كتاب العاطل والحالي، وهو رسالة في الزجل والمواليا، و «الأغلاطي» وهو معجم للأغل


(١) انظر ترجمته في نكت الهميان في نكت العميان ص ٢٤٤، والدرر الكامنة في اعيان المئة الثامنة لابن حجر العسقلاني ٤٢٩/ ٣، وشذرات الذهب في اخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ٢٦٨٦، والأعلام للزركلي ٣٢٨/ ٥.

(٢) انظر ترجمته في فوات الوفيات ٣٣٥٢ و ٢/ ٤٧٩، والنجوم الزاهرة ١٠/ ٢٣٨، وصفي الدين الحلي حياته وشعره للدكتور ياسين الأيوبي، والأعلام ١٧/ ٤.