القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  بعد هذا نرى أن لا غرابة أن ينشط الحلي لمعارضة البوصيري في قصيدة كقصيدته ما دامت دواعي النظم متشابهة، وأن يستريح من البحث عن بحر عروضي وقافية وموضوع لقصيدته، ما دام يعيش التجربة نفسها التي عاشها البوصيري، فكل ظروفه تشبه ظروف البوصيري، وإذن فما عليه من حرج لو أفرغ معانيه وأفكاره وعواطفه في قوالب مشابهة لمعان كان غيره قد مر بها! وإذا كان ثمة فرق بين الحلي والبوصيري، فهو في أنَّ الحلي ضمن قصيدته أنواع البديع، ولطالما فكر في ذلك، ووَدَّ أن يجمعها في كتاب قبل أن يلم به المرض(١) وما عليه اليوم إلا أن يجمع الهدفين في وقت واحد: مدح الرسول الكريم ﷺ أولاً، وتضمين ألوان البديع في هذا المديح ثانياً.
  وكان ذلك، ونظم الكافية البديعية وبدأها:
  إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واثر السلام على عرب بذي سلم
  إن سلعاً، والعلم، وذا سلم، مواطن تلف مدينة الحبيب. إذن فهي حبيبة وقريبة إلى العين والقلب. ويذكرنا هذا المطلع بمطلع بردة البوصيري:
  أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلةٍ بدم
  ويزيد بيت الحلي على بيت البوصيري بالجناس الذي كان بين «سلعاً وسل عن».
  ولا نريد في هذا المقام أن نغفل أن شيوع كلمة «بديعية» و «بديعيات» لهذا النوع من القصائد مرده إلى الحلي، وإليه يعود الفضل، فالتسمية أخذت من عنوان قصيدته: «الكافية البديعية».
  وهكذا تمت ولادة أول بديعية، كاملة الإنشاء والتكوين بين يدي صفي الدين الحلي.
  ***
  كانت بديعية صفي الدين رائعة، حلق فيها الشاعر إلى آفاق من الفن والشاعرية لفتت نظر جميع من يحبون الفن الرفيع. وكانت أمها التي ورَّثتْها
(١) البديعيات في الأدب العربي ص ٥٨.