البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 29 - الجزء 3

  ويعلق ابن حجة على ذلك قائلاً: ففي الحديث الشريف مبالغتان: إحداهما كون الحق - سبحانه وتعالى - أضاف الصيام إلى نفسه، دون سائر الأعمال، لقصد المبالغة في تعظيمه وشرفه. ونحن نعلم أن الأعمال كلها الله - سبحانه وتعالى - ولعبده باعتبارين.

  أما كونها للعبد فإنَّه يُثاب عليها، وأما كونها الله فلأنها عملت لوجهه الكريم ومن أجله، فتخصيص الصائم بالإضافة للرب - سبحانه - وتخصيص ثوابه بما خصص به، إنَّما كان للمبالغة في تعظيمه⁣(⁣١).

  وثانيتهما: إخبار النبي بعد تقديم القسم، لتأكيد الخبر، بأن خلوف فم الصائم عند الله اطيب من ريح المسك. ففضل تغير فم الصائم بالإمساك عن الطعام والشراب على ريح المسك بالذي هو أعطر الطيب، على مقتضى ما يفهم من «ريح المسك» وأتى بصيغة «أفعل» للمبالغة. فجمع هذا الكلام بين قسمي المبالغة: المجازي والحقيقي، ولذلك ورد أن دم الشهيد كريح المسك للمبالغة.

  ولكن الفريق الثاني لا تعجزه الحجة لدحض أقوال الفريق الأول وكل من أيد المبالغة وألوانها.

  فابن فارس يذكر في كتابه «الصاحبي» أنَّ من الأسباب التي جعلت النبي منزّهاً عن الشعر أنَّ هذا يقوم على الكذب⁣(⁣٢) والكذب الذي يعنيه ابن فارس هو المبالغة بأنواعها.

  هذا الكلام يذكرنا بثناء عمر بن الخطاب على زهير ابن أبي سلمى بأنه كان يمدح الرجل بما فيه.

  وعلى هذا الصراط يمشي ابن طباطبا في كتابه «عيار الشعر» فينصح الشاعر أن يتعمد الصدق والوفق في تشبيهاته⁣(⁣٣). وأن (أحسن التشبيهات ما إذا عكس لم ينتقص، بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه


(١) خزانة الأدب ص ٢٣٦.

(٢) ص ٢٧٥ وأنظر تاريخ النقد الأدبي عند العرب الإحسان عباس ص ١٢٨.

(٣) ص ٦.