البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 36 - الجزء 3

  وحكمه، فذلك شيء مرفوض من الشاعر، وكذلك نرفض الشطر الثاني الذي وصفه بالواحد القهار. وهما صفتان لله ø وحده، إذ هو الواحد الأحد، وهو القاهر فوق عباده، {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ١٦}⁣[الرعد].

  ونرفض من الحِلَّي قوله⁣(⁣١):

  ملك، إذا اكتحل المُلوكُ بِنُورِهِ ... خَرُّوا لِهيته إلى الاذقان

  لأن الشاعر أعطى الممدوح محمد بن قلاوون من الصفات ما يجب أن تعطى الله وحده. فالسجود الله دون غيره. ومن صرف هذه العبادة لغير الله فقد أشرك به.

  ونرفض من الشاعر ذاته قوله في ممدوحه الأرتقي⁣(⁣٢):

  لو قابل الأعمى غدًا بصيرا ... ولو رأى ميتا غدًا منشورا

  ولو يشا الظلام كان نورا ... ولو أتاه الليل مستجيرا

  أمته من سطوات الفجر

  يخضع هَامُ الدَّهرِ فوق بابِهِ ... وتسجد الملوك في أعتابه

  وتخدم الأقدار في ركابه ... تروم فضل العز من جنابه

  وَتَسْتَمِدُّ اليُسر بعد العسر

  لأن الشاعر الحلي جعل ممدوحه الأرتقي في مقام عيسى # الذي أعاد البصر إلى من وُلِدَ أَكْمَهَ «أي أعمى» منذ ولادته، ورد الحياة إلى ميت. وكان ذلك بإذن الله وقدرته لا بقدرة المسيح # ولا بقوته الذاتية.

  كذلك نرفض قوله «وَلَو يَشَا الظُّلامَ كانَ نُورا» لأنه جعله بمثابة الخالق لهذا الوجود، مُسيّر الليل والنهار، وخالق النور والظلام.


(١) ديوانه ص ١٠٠ ومطلع القصيدة «خلع الربيع على غصون البان».

(٢) ديوانه ص ١١٠ ومطلع القصيدة «دارت على الدوح سلاف القطر».