المبالغة
  كذلك نرفض وصفه لممدوحه بأنَّ الدهر يخضع فوق بابه، وتسجد الملوك في أعتابه، وتخدم الأقدار في ركابه. وقد ورد في الأثر: لا تسبوا الدهر فإنَّ الدهر هو الله، وورد في القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الرعد: ١٥].
  إنَّ الشاعر خرج عن الحدود الدينية إلى كلام مرفوض شرعاً. لذلك نقول: إنَّ الحلي غالى في ممدوحه غُلُواً ترفضه الشريعة، ويرفضه العقل السليم، لذلك فقوله هراء، وليس فيه جمال ولا إبداع ولا بلاغة(١).
متى تحسن المبالغة؟
  إن الغلو في الصفات مقبول فنياً حين يحتاط له القائل، ويحيطه بما يشير إلى مغالاته وتَزَيَّدِهِ من نحو: «يكاد» و «لو» و «لولا» و «قد» وما يشبهها كقول المعري:
  تكاد قسيه من غيرِ رامٍ ... تمُكّنُ في قُلُوبِهِمُ النَّبالا
  تكاد سيوفه من غيرِ سُلَّ ... تَجِدُّ إلى قلوبهم انسلالا
  أو كقول ابن حمديس في وصف فرس:
  ويكاد يخرج سرعة من ظِلهِ ... لو كان يرغب في فراق رفيق
  أو كقول الفرزدق في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ¥
  يكاد يُمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
  أو كقول أبي الطيب:
  عقدت سنابكها عليها عثيراً ... فلو ابتغى عنقا عليه أمكنا
  إن سبب قبول هذه الأبيات وجود كلمة «تكاد» أو «يكاد» وهي فعل يشير إلى معنى المقاربة، وليس الشروع أو البدء في الفعل. وكذلك وجود الحرف
(١) تاب الشاعر في أواخر حياته عن هذا الهراء، ونظم قصيدة في مدح الرسول ﷺ، وكانت أول بديعية في تاريخ الأدب العربي. انظر بحث «البديعيات» في هذا الكتاب.