القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  واستغنى، وصدق وكذب، واليُسرى والعُسرى). والمراد بـ «استغنى» زهد فيما عند الله، كأنه مستغن عنه، فلم يتَّق، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة فلم يتَّق.
  وقول غرس الدين الإريلي(١):
  تسر لئيماً مكرمات تُعِزُّهُ ... وتُبكي كريماً حادثات تهينه
  فقد قابل بين (تسير وتبكي، ولئيماً وكريماً، ومكرمات وحادثات، وتعزه وتهينه).
  ومثله قول أبي بكر الصديق ¥ في وصيته:
  «هذا ما أوصى به أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا، خارجاً منها، وأول عهده بالآخرة داخلاً فيها ...» فقد قابل بين (آخر وأول، والدنيا والآخرة، وخارجاً وداخلاً، ومنها وفيها).
  ومثال مقابلة خمسة بخمسة قول أبي الطيب(٢):
  أزورهم، وسواد الليل يشفع لي ... وأنتني، وبياض الصبح يغري بي
  فقد قابل بين «أزورهم وأنثني، وسواد وبياض، والليل والصبح، ويشفع ويغري، ولي وبي»(٣).
  ومثله قول أحدهم(٤): «إن الحق ثقيل مريء، والباطل خفيف وبيء. وأنت امرؤ إذا صدقت سخطت، وإن كذبت رضيت». فقد قابل بين الحق والباطل، وثقيل وخفيف، ومريء ووبيء، وصدقت وكذبت، ورضيت وسخطت.
(١) هو أبو بكر محمد بن إبراهيم اديب متفوق في النظم والنثر. توفي بدمشق سنة ٦٧٩ هـ. معاهد التنصيص ٢٠٩/ ١.
(٢) من قصيدة يمدح بها كافورا، ومطلعها: «من الجاذر في زي الرعابيب».
(٣) يعترض بعض العلماء على مقابلة «ولي وبي» بانهما. صلتان ليشفع ويغري، فهما من تمامهما وليس من قبيل قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦] تهذيب الإيضاح ٣٥/ ١ ولو صح قولهم لكان في قول أبي بكر الذي مضى ما ينفي المقابلة بين منها وفيها.
(٤) ينسب القول إلى علي بن أبي طالب وهو يتحدث إلى عثمان بن عفان ®.