البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 53 - الجزء 3

  هل الطباق تحسين معنوي؟

  درج علماء البلاغة انطلاقاً من عهد السّكّاكي إلى يومنا هذا على جعل «الطباق والمقابلة» في جملة علم البديع، وعدوه أحد المحسنات المعنوية في الكلام.

  بعبارة ثانية نظر هؤلاء المؤلفون إلى الطباق على أنه حلية معنوية في الكلام، تزيده جمالاً إن وجدت، ولا تضر به إن غابت. فالطباق - في رأيهم - لا يعدو كونه نافلة من القول، يمكن الاستغناء عنها في أية لحظة، وما أشبهها بالزينة التي يجعلها المرء على جدار بيته، لا تنفعه لو رفعها، ولا تضره لو وضعها.

  ويلوح لنا بعد تأمل طويل لهذا اللون أنَّ العلماء - أكرمهم الله ورحمهم قد تجنوا على الطباق، وهضموه حقه، هـ، ونظروا إليه نظرة استهانة، كان جديرا بخير منها، وبتقدير أكبر وأجل ويبدو أنهم حكموا عليه بما حكموا من خلال النظرة الجزئية التي نظروا إليه بها. فقد كانوا يأتون إلى الشاهد مفصولاً عن سابقه ولاحقه، فيفحصون مفرداته من حيث معناها ومبناها، ثم يُطلقون الحكم عليها، تسمية أو وصفاً أو لقباً. فإذا قرأ أحدهم الآية الكريمة {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٦ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ٢٧}⁣[آل عمران].

  ذكر أن في تؤتي وتنزع، وتُعِزّ وتُذلّ، طباقاً بين الأفعال، وفي الليل والنهار، والحي والميت طباقاً بين الأسماء. ولا شيء أكثر من هذا وقد يذكر أن في الشاهد جناساً أو تورية أو تدبيجاً أو سوى ذلك، ثم لا يذكر الحكمة من كون ذلك طباقاً أو جناساً أو تورية أو سوى ذلك. وما الجمال الفني الذي حملة هذا اللون «البديعي» بل هل كان في الإمكان الاستغناء عن إيراد هذا التحسين اللفظي أو المعنوي؟

  هذه النظرة الجزئية للكلمة، مقطوعة عن سياقها العام، مفصولة عن