مراعاة النظير
  أورد صاحب الأغاني أن دافع تهاجي جرير وعمر بن لجأ التَّيْمِي(١) أَنَّ جريراً سمع عمر ينشد في أرجوزة له يصف إبله:
  قد وردت قبل إلى ضحائها ... وتفرس الحيات في خرشائها
  جر العجوز الثني من ردائها(٢)
  فتعرض له جرير بقوله: كان أولى بك أن تقول «جَرَّ العروس» لاجر العجوز التي تتساقط خوراً وضعفاً. واستشاط عمر غضباً، فهجاه، واحتدم بينهما الهجاء. ومدار الأمر كله على انتخاب الكلمة الملائمة للسياق، وليس أكثر. وكان كثيراً ما يتعرض بعض السامعين للشعراء وهم ينشدون، فيبدون بعض ملاحظاتهم البيانية والتعبيرية. من ذلك ما يقال إن ذا الرمة كان ينشد بسوق الكناسة في الكوفة إحدى قصائده، فلما انتهى منها إلى قوله:
  إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسييس الهوى من حب مية يبرح(٣)
  صاح به ابن شبرمة اراه قد برح، وكأنه لم يعجبه التعبير بقوله «لم يكد». فكفَّ ذو الرمة ناقته بزمامها وجعل يتأخر بها ويفكر، ثم عاد فأنشد:
  إذا غير النأي المحيين لم أجد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح(٤)
  وفي الأغاني أنه اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة، فأنشد الكميت قصيدته «هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب» حتى إذا بلغ منها إلى قوله:
  ام هل ظعائن بالعلياء نافعة ... وإنْ تكامل فيها الأنس والشنب(٥)
  عقد نصيب واحدة، فقال له الكميت: ماذا تحصي؟ قال خطأك، باعدت في القول، ما الأنس من الشنب؟ ألا قلت كما قال ذو الرمة
(١) الأغاني ٧٠/ ٨ وطبقات فحول الشعراء لابن سلام ص ٣٦٢.
(٢) إني وقت من أني يأتي إذا حان وقته. وضحاء الإبل مرعاها في الضحى. وتفرس تحطم وتدق. والخرشاء جلد الحيات.
(٣) رسيس الهوى: ابتداؤه.
(٤) الأغاني ١٦/ ١١٨ «ط الساسي» والموشح ١٧٩ نقلا عن البلاغة تطور وتاريخ ص ١٧.
(٥) الشنب ماء ورقة وبرد وعذوبة في الأسنان.