القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  «مراعاة النظير» أو موافقة الكلام لمقتضى الحال. قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ٢٧ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ٢٨ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ٢٩ وَادْخُلِي جَنَّتِي ٣٠}[الفجر].
  تأمل ما في هذه الآيات من مدود ولسوف تجد: يا ها، جعي إلى را خُلي، في، عبا، دي، خلي جنتي.
  ثم تأمل الشدَّات: أيتها، النفس، المطمئنة، ربك، رضية، جنتي. وتأمل النونات وسوف تجد النفس، المطمئنة، راضية، مرضية، جنتي.
  وحركات الكسر: جعي، ربك خلي، في، دي، خلي، نتي.
  بعد هذا التأمل والتدقيق. تصور أنَّ هناك مينا حبيباً إليك. قد يكون أباً، أو أماً، أو أخاً، أو أختاً، أو ولداً، أو صديقاً، أو غالياً. هو الآن مسجى في كفن، محمولاً على الأعناق، منقولاً إلى المقبرة، وهناك قبر فغر فاهْ، ينتظر ضيفه الجديد، ليضمه حيناً من الزمن، ثم يسلمه إلى الأبدية الخالدة التي لا نهاية لها.
  وتصور الدموع الصامتة تذرفها أنت، ويذرفها أحباب آخرون، مفجوعون كفجيعتك. على فقيد عاش بينهم أو معك حيناً من الزمن، ثم فارق إلى سفر طويل، لا عودة منه.
  وتصور الصراع النفسي في قلوب أولئك الناس تجدهم مطمئنين إلى ما هو مقبل عليه من رحمة الله ونعيمه، كما تجدهم حزينين على وداع حبيب وداعاً أبدياً. إنهم بين خوف ورجاء، بين ألم وأمل، بين حزن واطمئنان. لكن الدمعة الحرى تظل تسيل من الآماق، وتظل الزفرات الكاوية تحرق الجوانح والأكباد.
  في مثل هذه المواقف الأليمة من حياة الناس، تجد المفجوع دائماً، مطرق الرأس، باكياً بعنف، متأوّهاً. بل تسمع أنينه عالياً أو خافتاً، وتلمس بيديك آلامه مرسومة على كل ذرة من كيانه.