القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  عقبة بالحيا، لأنَّ السيول منه، ثم عن البحر، لأنه يقرب من السيل، ثم تابع بعد ذلك بقوله: عن جود الأمير تميم. فهذه الأمور كلها متقاربة، فلاجل هذا لاءم بينها في تأليف الألفاظ، فصار الكلام بها مؤتلف النسج، محكم السدي.
  (إنَّ تخير الألفاظ، وإبدال بعضها من بعض يوجب التئام الكلام، وهو من احسن نعوته، وأزين صفاته)، فإن أمكن مع ذلك منظوماً من حروف سهلة المخارج كان أحسن له، وأدعى للقلوب إليه. وإن اتفق له أن يكون موقعه في الإطناب والإيجاز أليق بموقعه، وأحق بالمقام والحال كان جامعاً للحسن، بارعاً في الفضل، وإن بلغ مع ذلك أن تكون موارده تنبئك عن مصادره، وأوله يكشف قناع آخره كان قد جمع نهاية الحسن، وبلغ أعلى مراتب التمام.
  ومثاله قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
  أشارت بأطراف البنان المُخْضَب ... وضنَّت بما تحت النقاب المكتب
  وعضت على تفاحة بيمينها ... بذي أشر عذب المذاقة الشنب
  واومت بها نحوي فقمت مبادرا ... إليها، فقالت: هل سمعت بأشعب(١)
  فهذا أجود شعر سبكاً، وأشده التاماً، وأكثره طلاوة وماء. وينبغي أن تجعل كلامك مشتبها أوَّله بآخره، ومطابقاً هاديه لعجزه، ولا تتخالف أطرافه، ولا تتنافر أطراره(٢) وتكون الكلمة منه موضوعة مع أختها، ومقرونة بلفقها. فإنَّ تنافر الألفاظ من أكبر عيوب الكلام، ولا يكون بين ذلك حشو يستغنى عنه ويتم الكلام دونه.
  ومثال ذلك قول أحدهم:
  وفي أربع مني خلت منك أربع ... فما أنا دار أيها هاج لي كربي
  أوجهك في عيني، أم الريق في فمي ... أم النطق في سمعي، ام الحب في قلبي
(١) بذي أشر: بأسنان محززة محددة الأطراف، وهي صفة جمال بالأسنان. أشعب رجل مشهور بالطمع والتطفل.
(٢) أطراره اطرافه.