البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 74 - الجزء 3

  فقد لاءم الوجه مع العين، والريق مع الفم، والنطق مع السمع، والحبَّ مع القلب. وذلك غاية في مراعاة النظير.

  وكذلك ما روى أحدهم قال: كنت أنا وجماعة من احداث بغداد مِمَّن يتعاطى الأدب نختلف إلى مدرك نتعلم منه علم الشعر، فقال لنا يوماً إذا وضعتم الكلمة مع لفقها كنتم شعراء. ثم قال اجيزوا هذا البيت:

  *ألا إِنَّما الدنيا متاع غرور

  فأجازه كلّ واحد من الجماعة بشيء، فلم يرضه. فقلت:

  وإن عظمت في أنفس وصدور

  فقال: هذا هو الجيد والمختار

  وفي حكاية أخرى أن أحدهم دفن رجلاً من اهله وقال:

  *نروح ونغدو كل يوم وليلة

  ثم قال لبعضهم أجز، فقال:

  فحتى متى هذا الرواح مع الغُدُو

  فقال له لم تصنع شيئاً وقال آخر:

  فيالك معدى مرة ورواحا

  فقال له لم تصنع شيئاً، ثم قال لآخر: اجز فقال

  وعمَّا قليل لا تروح ولا تعدو

  فقال: الآن تم البيت.

  وعابوا على طرفة بن العبد حين قال

  ولستُ بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم ارفد

  بأنه لم يضع اللَّفق مع الفقه، فالمصراع الثاني غيرُ مشاكل للمصراع الأول، وإن كان المعنى صحيحاً، لأنه أراد: ولستُ بحلال مخافة السؤال، ولكنّي أنزل الأمكنة المرتفعة لينتابني القوم فأرفدهم، وهذا وجه الكلام، فلم