علوم البلاغة بين التطور والتاريخ
  وما وضعه السكاكي في مفتاح العلوم من تقسيم لعلوم البلاغة هو الذي أخذ به علماء البلاغة من بعده، وهو الذي استقرّت عليه هذه العلوم إلى يومنا الحاضر. فإذا عرفنا أن السكاكي كان متأثراً بثقافته النحوية والمنطقية والكلامية، وعرفنا أنه صبغ البلاغة في كتابه بصبغة هذه العلوم، عرفنا سبب طغيان القوالب والحدود على علوم البلاغة، وعرفنا سبب التعقيد الذي أصابها عنده وعند من قلّده وحذا حذوه.
  ولم يكن العلماء الذين جاؤوا بعد السكاكي أقلّ منا شعوراً بما في كتابه من تعقيد، لذلك فقد بادروا إليه يشرحونه ويوضحون ما استغلق منه، إلا أن هؤلاء العلماء كانوا متأثرين بأصل الكتاب وبمنهج صاحبه، كما كان كل منهم متأثراً بثقافته الخاصة وطبيعتها، فكان منهم الفقيه، ومنهم المتكلم، ومنهم النحوي، وقد ظهر أثر ذلك كله في شروحهم وتعليقاتهم. وبقي «مفتاح العلوم» محوراً للتأليف البلاغي، فظهر حوله عدد كبير من كتب الشرح والإيضاح والتلخيص والتهذيب.
  ولعل القزويني - المتوفى سنة ٧٣٩ هـ / ١٣٣٨ م - من أبرز الذين لخصوا «مفتاح العلوم»، وكان عالماً في الفقه والعربية.
  أعجب القزويني بكتاب مفتاح العلوم، ولكنه رأى أن الفائدة لا تتم إلا بتهذيبه وترتيبه، فوضع له ملخصاً، قال في أوله: «أما بعد، فلما كان علم البلاغة وتوابعها من أجل العلوم قدراً وأدقها سراً، إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها، وتكشف عن وجوه العلوم الذي صنفه الفاضل العلامة أبو يعقوب يوسف السكاكي، أعظم ما صنف فيه من الكتب المشهورة نفعاً، لكونه أحسنها ترتيباً، وأتمها تحريراً، وأكثرها للأصول جمعاً، ولكن كان غير مصون عن الحشو والتطويل والتعقيد قابلاً للاختصار، ومفتقراً إلى الإيضاح والتجريد، ألفتُ مختصراً يتضمن ما فيه من القواعد، ويشمل على