القسم الأول جماليات في النظم والمعنى
  يعبر عنه تعبيراً صحيحاً، ولكنّه خلطه، وحذف منه حذفاً كثيراً، فصار كالمتنافر(١).
  أما ائتلاف المعنى والمعنى فهو أن يكون الكلام مشتملاً على أمرين، فيقرن بكل واحد منهما ما يلائمه من حيث كان لاقترانه به مزية غير خافية.
  ومثاله ما قاله المتنبي في السَّيفيَّات:
  تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح، وتغرك باسم
  وقفت وما في الموت شكٌ لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
  فإن عجز كلَّ واحد من البيتين ملائمٌ لكل واحد من صدر يهما، وصالح لأن يُؤلف منه، لكنَّه اختار ما أورده في البيت لأمرين، أمَّا أولاً فلأن قوله «كَأَنَّكَ في جفن الردى وهو نائم» إنَّما سيق من أجل التمثيل للسلامة في موضع العطب، فجعله مقرَّراً للوقوف والبقاء في موضع، يقطع على صاحبه بالموت، احسن من جَعْلِهِ مقرراً لثباته في حال هزيمة الأبطال.
  وأما ثانياً فلأنَّ جَعَلَ قوله «وجهك وضاح وثغرك باسم» تيمة لقوله «تَمرُّ بك الأبطال» أحسن من جَعَلِهِ تَتمة لقوله «وقفت وما في الموت شك لواقف» لأنَّ الإنسان في حال الهزيمة يلحقه من ضيق النفس وعبوس الوجه ما لا يخفى. فلهذا الصق كلَّ واحد منهما بما يكون فيه ملاءمة وحسن انتظام من أجل المبالغة في المعاني. ويُحكي أنهَّ لما أنشد سيف الدَّولة هذه القصيدة نقم عليه هذين البيتين، قال: هلاَّ جعلت عجز أحدهما عجزاً للآخر؟ فأجابه بما ذكرناه من بلاغة المعنى إذا كان على هذه الصفة، فاستحسن سيف الدولة ما قاله من ملاحظة المعاني التي هي مغازيه في قصائده، وأكرمه وزاد في عطيته.
  ومن هذا القبيل قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ١١٩}[طه]. فإنّه لم يُراع ملاءمة الري للشبع، ولا أراد مناسبة الاستظلال للضّحى، وإنَّما أراد مناسبة أدخل من ذلك، فقرن الجوع
(١) الصناعتين ١٦١.