مراعاة النظير
  بالعري، لما للإنسان فيهما من مزيد المشقة وعظيم الألم بملابستهما، وأراد مناسبة الاستظلال للري، فقرن بينهما لما في ذ ذلك من مزية الامتنان وإكماله، ووجه آخر وهو أنَّ الجوع يلحق منه ألم في باطن الإنسان، وتلتهب منه أحشاؤه، والعري يلحق منه ألم في ظاهر جسد الإنسان، فلهذا جمع بينهما، لما كان أحدهما يتعلق بالظاهر، والآخر يتعلق بالباطن. وهكذا حال الظمأ، فإنَّه يحرق كبد الإنسان ويوقد في فؤاده النار، والضحى يحرق جسده الظاهر، فلأجل هذا ضم كل واحد منهما إلى ما له به تعلق لتحصل المناسبة.
هل مراعاة النظير تحسين معنوي؟
  وبعد، فإن مؤلفي البلاغة، ابتداء من عصر السكاكي إلى يومنا هذا جعلوا «مراعاة النظير» فرعاً من فروع علم البديع، وعدوه أحد المحسنات المعنوية في الكلام.
  ويتراءى لنا، من خلال ما استعرضنا من شواهد شعريَّة ونثريَّة، ومناقشات شعراء، وآراء علماء، ومن خلال آيات قرآنية في موضوعات شتى. أن «مراعاة النظير» ليس نافلة أو زينة، وإنما هو عنصر أساسي في مكونات «البلاغة» في أصل تعريفها، وأن له مساساً بالفصاحة في شروطها وعناصر تكوينها. وأنَّ الكلام الذي يجنح عن هذا الصراط يُعد كلاماً سفسافاً، وهذراً لا علاقة له ببيان أو بديع.
  إن «مراعاة النظير» أساس في العمليَّة التعبيرية في كل اجزائها. بدءاً بالمفردات وانتهاء إلى التعبير والإفصاح. إنه أساس في كل حديث، وخطاب، ورسالة وموضوع. وإنَّ النقاد حين جعلوا منه أحد عوامل الترجيح بين أديب وأديب وشاعر وشاعر، كانوا على حق وهدى.
  ولماذا نذهب بعيداً وننسى أولئك النَّفر من الذين تمرَّدوا على قوانين الفصاحة وأساسيات البلاغة، ورفضوا الإصاخة إلى ما يوجبه حق «مراعاة النظير» عليهم فراحوا يجمعون المتناقضات بعضها إلى بعض، ويأتون بكلمة من الشرق وأخرى من الغرب، ويلمون فكرة إلى غير نظيرها، أورديفها، أو نقيضها، شأنهم شأن حاطب اللَّيل يلم خشبة وبعرة وأفعى وجوهرة، وهو يحسب أنه يجمع شيئاً متوافقاً ذا بال. فلو قرأت لأحدهم أي شيء لم تجد