تأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح
  إلى ابن أبي الإصبع وإلى ما قال صفي الدين الحلي(١)، و «التوجيه» قالها العلوي(٢).
  يختلف هذا الأسلوب وأساليب المدح والذَّم الأخرى في طريقة عرضه. فلقد اعتدنا من الشّعراء أن يمدحوا أحبَّاءهم من النّاس مدحاً مباشراً، لا التواء فيه ولا انحناء، فهذا يقول لممدوحه: فإنَّك شمسٌ والملوك كواكبٌ، وذاك يقول: وقفت وما في الموتِ شَكٌّ لِواقف، وثالث يقول: لم يُبق جودك لي شيئاً أؤمله. وهكذا. أما في هذا الأسلوب فإنَّ الشاعر أو النَّاثر يلجأ إلى أسلوب غير مباشر اعتقاداً منه أنه يبالغ في مديحه، أو في هجائه.
العلاقة النفسية في أسلوب تأكيد المدح أو الذم
  يعتمد هذا الأسلوب على التَّلاعب النَّفسي الذي يقوم به المادح.
  ذلك أنَّه يبدأ - مثلاً - بنفي كلّ صفة عيبً أو ذمٌ عن ممدوحه، ويُوقع حينئذ في ذهن سامعه أنَّه رفعه إلى الأوج، وسما به إلى درجة جعله فيها مُبراً من كل عيب. حتى إذا ما استيقن أنّه ثبت هذه الفكرة ومكنها في نفوس سامعيه وفي ذهن ممدوحه كذلك. بدأ لعبه بالعبارة، فأورد أوّل ما أورد أداة استثناء مثل «إلا» أو «غير» أو «سوى» أو «لكن» أو ما يشبه ذلك من أدوات، وبهذا الاستثناء الطارئ يوقظ مشاعر سامعيه أو ممدوحه، ويرمي في قلوبهم ظلاً من شكٌّ في كلامه الذي سبق، ويوحي إليهم، قبل أنَّ يقول شيئاً، أنَّ حديثه من قبلُ، فيه ما فيه، أو أنه بالغ، أو أعطى صاحبه أكثر ممّا يجب أن يُعطى، وأنَّ عليه أن يضع الأمور في نصابها، وألا يدع سامعيه يذهبون في تعظيم الممدوح إلى ما لا نهاية. هذه الأداة الاستثنائيَّة هي التي فعلت هذا كلَّه قبل أن يورد الشاعر شيئاً بعدها.
  وعند سماع هذا الاستثناء يفتح السَّامعون عيونهم أكثر، ويحملقون في الشَّاعر، ويفتحون آذانهم أكثر، ويُصيخون إلى ما سوف يقول بعد هذا
(١) انوار الربيع ٦٠/ ٣ و ٢٧/ ٦ والخزانة ٤١٩.
(٢) الطراز ١٣٦/ ٣.