البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

تأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح

صفحة 101 - الجزء 3

  وقول آخر⁣(⁣١):

  ولا عيب في هذا الرشا غير أنه ... له معطف لدن وخد مُنعم

  وقول بائعي الخيار في بلاد الشام: (يا خيار! يا خيار! مالك عيب إلا أنك أخضر وبلدي).

أساليب التأكيد

  وهناك أسلوب آخر لتأكيد المدح بما يشبه الذَّم، وذلك بأن يُورد المتكلَّم صفة المدح ويعقبها بأداة استثناء، فصفة مدح أخرى. مثال ذلك ما روي عن النبي أنه قال: «أنا أفصحُ العَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِن قريش».

  في العبارة الأولى «أنا أفصح العرب» إشارة إلى صفة مدح مثبتة، فالرسول # يُخبرنا - وهو الصادق - أنه أفصح العرب جميعاً.

  ثم جاء بأداة تفيد الاستثناء، وهي «بيد» مما أوحى إلى السَّامع أنَّه، #، يريد أن يستثني شيئاً من تلك الصفة التي سبق أن أخبر بها، وهي «أنا أفصح العرب».

  لكنه أورد صفة مدح جديدة، وهي أنه من قريش، وقريش أفصح العرب غير منازعين. فكانت هذه الصفة الجديدة توكيداً للمدح الأول، إلا أنها وردت بأسلوب ألف الناس سماعه في الذم.

  ومن هذا القبيل قول النابغة الجَعْدِي⁣(⁣٢):

  فتي كملت أخلاقه غير أنه ... جواد، فما يبقي من المال باقيا

  فتي كان فيه ما يُسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا

  وقول آخر⁣(⁣٣):


(١) خزانة الأدب ص ٤١٩.

(٢) نسيب هذان البيتان في الصناعتين ص ٤٥٩ إلى جندل بن جابر الفزاري، لكنه في الحماسة للجعدي ١/ ٤٠٨ وفي القالي ٢/ ٢ وفي السيوطي ٢٠٩ وفي الكتاب لسيبويه ١/ ٣٦٧ وروايته (فتي كملت خيراته ...).

(٣) تهذيب الإيضاح ١٩١/ ١.