البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الثاني جماليات في الشكل والأسلوب

صفحة 126 - الجزء 3

  ونحن نميل إلى هذا الاتجاه، ويغلب على ظننا أن المظهر ليس محل اعتراض ولا موطن جدل، وإنما الجوهر والمضمون. وإذا كان الجوهر طيباً فإنّ لباسه يكون طيباً. وإذا كان الجوهر خبيثاً امتد الخبث إلى الظاهر كذلك، كالبعرة إن طليت بالذهب، تفه الباطن، فانتقلت التفاهة إلى الظاهر.

  ذلك منطق العقل واتجاه الحكم السليم. إذ ليس من المعقول أن تُشَنَّ الحرب شعواء على ما تميل إليه فطرة الكائنات جميعاً، بشراً، وحيواناً، ونباتاً.

  السجع إيقاع محبب إلى النفس. والقلب. وكأنه تمهيد للشعر، وصورة مصغرة عنه. يحبه الرجل كبيراً، ويأنس إليه صغيراً، بل لا يكاد الطفل يغفو في حضن أمه إلا إذا هَدْهَدَتْهُ بأنشودة مسجوعة، إيقاعية، رتيبة النغمات.

  والحداء الذي ينشده الحادي للإبل حتى تسرع وتطير. وتكاد تتقطع أوداجها من شدة سرعتها وهي لا تدري ما دامت تسمع الحادي يشنف مسامعها بعذب إيقاعه وصوته الرَّخيم.

  وما بال الطير التي تسقط في أحضان أصحاب الأصوات الرخيمة، والأناشيد البديعية؟

  بل لماذا يزداد در حليب البقر إذا سمعت الموسيقى الشَّجية، والأنغام البديعة؟

  ولماذا ينمو النبات بسرعة أكبر لو كانت الموسيقى صدّاحة تتموج فوق ذلك النَّبات؟

  إن الفطرة في كل عناصر الحياة مع النغمة الشجية واللحن الجميل.

  وإذا كان في السجع شيء من هذا التنغيم البديع فمرحباً به وأهلاً. وأمّا إذا كان نشازاً معتلاً فلا مرحباً ولا أهلاً.

  وعلى هذه المبادئ اعتمد البلاغيون البيان التالي ليكون السَّجع مقبولاً محبوباً: