البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام الجناس

صفحة 138 - الجزء 3

  لا تعرضنَّ على الرواة قصيدة ... ما لم تكن بالغت في تهذيبها

  فإذا عرضت الشعر غير مهذب ... عدوه منك وساوسا تهذي بها

  فكلمة «تهذيبها» في الشطر الثاني من البيت الأول، بمعنى تثقيفها وتحكيكها والعناية بها. وهي بمثابة الكلمة الواحدة أما «تهذي بها» في الشطر الثاني من البيت الثاني بمعنى الخلط والهذيان، فمركبة من كلمتين إن الجناس حاصل بين «تهذيبها» و «تهذي بها». ولما كانا مختلفين في صورة الكتابة وحدها، عدوه من الجناس المفروق.

  وقد يحدث أن يقع الجناس بين كلمة مفردة وأخرى مركبة من كلمة وجزء من أخرى، وهذا اللون دعاه العلماء بـ «المرفوٌ». ومنه قول الحريري:

  والمكر مهما استطعت لا تأته ... لتقتني السؤدد والمكرمة

  فأنت تلاحظ الجناس بين «والمكر وجزء من كلمة مهما» وبين لفظة «والمكرمه» الواقعة في الشطر الثاني.

  كذلك من هذا القبيل قول آخر:

  وكم لجباه الراغبين لديهِ مِنْ ... مجال سجود في مجالس جود

  كلمة «سجود» في مطلع الشطر الثاني مفردة، وفي نهاية الشطر تجد هذه الكلمة مقسومة بين لفظة (جُود والسين في لفظة مجالس⁣(⁣١)).

  لقد حمل عدد من العلماء على هذا «المرفو» ونعتوه بأنه لا يكون إلا بعد جهد وتعب وبعد عن الطبع والسليقة. حتى لقد قال عنه شيخنا المرحوم عزّ الدين التنوخي - رحمة الله عليه - (وحسبك أنه لا يُرفأ من الثياب إلا الخلقُ البالي الذي يتكلف الرَّفَّاءُ لإعادة تماسكه بالرَّفو والترقيع، وهو مع ذلك غير متين ولا بديع⁣(⁣٢)).

  ***


(١) ويمكن احتساب هذا الشاهد نوع من «الملفق».

(٢) تهذيب الإيضاح ٢٥٦/ ١.