البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الأول الخبر

صفحة 55 - الجزء 1

  وقفت وما في الموت شَكٍّ لواقف ... كأنك في جفن الرَّدَى وهو نائمُ

  تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم

  نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نُثِرَتْ فوق العروس الدراهم⁣(⁣١)

  فإن سيف الدولة يعرف أنه كان واقفاً في مستنقع الموت، مثبتاً رجليه، ويعرف أن أعداءه الأبطال كانوا يهربون من أمامه مجروحين مهزومين، ويعرف أن وجهه كان يعلوه الابتسام، ويعرف ماذا فعل بالذين لم يفرّوا أو يهربوا لقد نثرهم بسيفه أو بيديه فوق جبل الأحيدب أشلاء ممزقين. سيف الدولة يعرف هذا كله، وليس يخبره الشاعر بخبر جديد، وإنما يعيد على مسامعه قصة حرب مظفّرة كتبها بسيفه ويديه. يريد أن يقول له: إنه - كذلك يعرف ما صنع سيف الدولة فصاغ ذلك بقالبِ مديح وتعظيمٍ.

  ونظم الشاعر السعودي محمد حسن فقي⁣(⁣٢) قصيدة طويلة عنوانها:

  «لستُ أنا الغادرة» على لسان فتاة أحبت مخلصةً فتاها حباً جماً، فبادلها الوفاءَ غدراً، والحبَّ صَدًّا، وأنكر عليها صدق عواطفها، فراحت تقول:

  ما كنتُ أعهد منك نكراً، بل كنتُ أعهد منك شكراً

  كيف انطويت على المساءة، واحتسبت الوصل هجراً

  كانت أيادينا الحسان - وما تَمُنُ - عليكَ تَرَى

  ومضت بنا الأيام تنبضُ فَرحة، وتفوح عطراً

  كم آهةٍ لك عانقتها آهه بحشاي حرى

  وتظل تشكوني، وتحف للهوى في الصدر قبراً؟

  ويظل قلبي في يديك تُبِيحُه ناباً وظفراً؟

  قد عشت راسفة بقيدي، ما أري وعشتَ حُرًا

  لَظَلَمتَني، وأدرت ظهرَكَ لي وما استأهلتُ ظهر⁣(⁣٣)


(١) ديوان المتنبي. ص ٣٨٥ ومطلع القصيدة: «على قدر أهل العزم تأتيت العزائم».

(٢) شاعر سعودي معاصر من فحول الشعراء له عشرون ديواناً، وكتب نثرية مختلفة.

(٣) من ديوان: «قدر. ورجل» والقصيدة بعنوان: «لستُ أنا الغادرة» ص ٢١٩.