علم المعاني
  ألا يعرف ذلك الرجل الجاحد أنه يتصرف تصرفاً جائراً، أو لا يدرك أن الحب الصادق ليس يستحق إلا الوفاء والشكران المبين؟ ألا يعرف أنه كان يسيء إلى من أحبه وأخلص له الوداد؟ ألم يكن يغرق في نعمة الوصال، وغمرة الفرح، وشذا الحب المكين؟
  ألا يتذكر أن آهاته الحرّى التي كانت تكويه وتشويه، تحيلها عليه برداً وسلاماً؟ مع هذا هو يعرف سوء عمله، ويعرف أنه يحفر للهوى قبراً فقبراً، ويعرف أن قلب فتاته الذي ملكته إياه كان ينهشه بالناب والظفر، ثم يرميه أرضاً، ويمشي عليه عذاباً.
  يعلم كل ذلك حق العلم، وهل يجهل المرء مقاصد أعماله ونواياه؟ وهل عرفت الدنيا إنساناً ظَلَمَ الناس دون أن يدري أنه ظالم؟
  هذه الأمور كلها التي وضعتها الفتاة بين يدي فتاها أخبار تعلمها هي كما يعلمها هو فليست تخبره بجديد، وإنما تذكره بالهوى الذي على يديه راح يبيد.
  وعلماء البلاغة يقولون: إن حديثها من نوع «لازم الفائدة». وَأَحْسِنْ به من حديث!
  ***
  أما عمر بن أبي ربيعة فيحدثنا عن خبر من نوع آخر. يقول عن إحدى فتياته اللواتي أحببنه:
  خبروها بأني قد تَزَوَّجت ... فظلت تكاتم الغيظ سرَا
  ثم قالت لأختها ولأخرى ... جَزَعاً: ليته قد تزوج عشرا
  وأشارت إلى نساء لديها ... لا ترى دونهن للسِّر سَترا
  ما لقلبي؟ كأنه ليس مني ... وعظامي إخالُ فيهن فَترا