التأريخ الشعري حساب الجمل
  لا تحسب شيئاً، كما أن ألف الإطلاق تُعَدِّ أَلِفاً. وَهَلُمَّ جَرَاً.
  ومن شروطه أن تكون في الأبيات الشعرية نكتة أدبية، أو فكاهة، أو حكمة، وأن تكون الألفاظ منسجمة، والمعاني مؤتلفة، وأن تخلو من كل هجنة، مثال ذلك قول ابن المبلط(١) يؤرخ جلوس السلطان سليم الثاني سنة ٩٧٤ هـ / ١٥٦٦ م.
  تولى مليكُ العصير وابن مليكه ... بعز وتأييد ونصر وسلطان
  ودولة ملك قلت فيها مؤرخا ... «سليم تولى الملك بعد سليمان»
  ولو حسبنا جمل قوله «سليم تولى الملك بعد سليمان» لوجدناه يساوي ٩٧٤ وهو تاريخ جلوسه على العرش.
  ويبدو أن أبناء القرن الثاني عشر الهجري استطابوا هذا اللون من البديع، فأكثروا منه إكثاراً عجيباً، وتفننوا فيه تفنناً غريباً، وأتوا بما يشبه المعجزات، وها نحن أولاء نورد بعضاً من هذه الشواهد:
  أ - نظم أحد الشعراء أبياتاً يؤرّخ فيها عرساً جرى بحلب، فجعل جمل الحروف المهملة في البيت الأخير تاريخ العرس وهو سنة ١١٣٠ للهجرة، وجمل الحروف المعجمة في البيت ذاته التاريخ نفسه، وأضاف إلى ذلك ذكر التاريخ صراحة. والأبيات هي:
  أيها الكامل، يا من اخبرت ... عن علاه فئة بعد فته
  خذ تواريخا ثلاثاً جمعت لك ... في مفرد بيت منبته
  بصريح وحروف أعجمت ... وحروف أهملت مختبئة
  عمَّ حول وسرور العرس وهـ ... ـو ثلاثونَ وَأَلْفُ ومِئه
  ب - نظم عبد الرحمن النحلاوي المعروف بالبهلول(٢) بيتين من الشعر، جعل التاريخ في كل شطر، بل جعل التاريخ مكرراً في الشطر الواحد، حتى إنَّه كرر التاريخ ذاته ثماني مرات في البيتين وهما:
(١) إبراهيم بن المبلط شاعر مصري ترنم له مؤلف الكواكب السائرة ٩٢/ ٣.
(٢) من رجال القرن الثاني عشر الهجري، توفي سنة ١١٦٣ هـ / ١٧٤٩ م. انظر سعود المطالع للا بياري ٢/ ٢٦٤.