البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الأول الخبر

صفحة 69 - الجزء 1

  هذا الإنسان، كحقيقة الإيمان بوجود الله مثلاً فالناس جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، يؤمنون بوجود الله، وإذا اختلفوا فإنما يختلفون في شكل توحيده وصورة عبادته ومع ذلك فلقد ترى هذا الرجل يابس العقل، محدود التفكير، طائش العقيدة، أضلته الفلسفات، وهوت به الانحرافات، وجذبته المذاهب التافهة السخيفة، فراح يقلدها، ويقول قولها، وينكر إنكارها، ويزعم أن الله لا وجود له.

  مثل هذا الجاحد المنكر، يحتاج في القانون البلاغي إلى أن تأتي له بخبر فيه كل أنواع التأكيد، لتزيل إنكاره، وتمحق أوهامه ونكرانه، وإذا فعلت ذلك فأنت تقليدي اتبعت النص وأديت ما وجب عليك، ولكنك لا تُعد من المجتهدين المبدعين.

  ولو أردت أن تكون المجتهد المبدع والبليغ الفصيح إذن لوجب عليك ألا تعامله معاملة أمثاله من المنكرين بل أن تخاطبه بأسلوب أعلى وأقوى وأعنف لتزيل إنكاره وتحرفه عن جحوده وطيشه. قل له بكل بساطة: الله موجود ثم اسكت.

  معنى كلامك: أنه لو رجع إلى فطرته الأولى، وإلى عقله الواعي، ولو عاد ففكر في ذاته وما احتوت، وأرضه وما ضمّت، وسمائه وما دار فيها ووجوده، وخلقه لاهتدى إلى الإيمان ولرجع إلى الحق، ولكان من أوائل المؤمنين، ودخل في خانة الضرب الأول الذي لا يحتاج في إخباره لأكثر من خبر ابتدائي خالٍ من أي تأكيد وتوثيق.

  وقد يكون الأمر بالعكس تماماً: تلتقي برجل يضرب أمه، ويرفسها برجليه، ويسبّها ويصب فوقها جام سخطه وغضبه؛ وأمه المسكينة بين يديه تتلوى ألماً، وتسيل دماً ودمعاً، والولد العاق لا يأبه لألمها، ولا يهتز لمناظر دمائها ودموعها، ولا يصغي إلى تأوهاتها وصرخاتها كأن في سمعه وقراً، وفي قلبه صخراً.

  كيف تخاطب مثل هذا المخلوق؟ أتخاطبه مخاطبة العقلاء؟ أتحدثه