علم المعاني
  حديث الأبناء البررة؟ أيكفي أن تقول له الجنة تحت أقدام الأمهات ليرتدع ويرعوي؟
  إنك إن فعلت ذلك كنت أبعد الناس عن البلاغة وحقها، لأن مثل هذا الإنسان يتصرف تصرف من ينكر الأمومة وحقوقها، وينكر فضلها وواجب الأبناء نحوها. إن هذا يحتاج إلى أن تدله على الطريق السوي بألف تأكيد قل له: والله إنك لشديد العقوق، وستنال عاجلاً أو آجلاً جزاء عقوقك. وأكد ما استطعت التوكيد وما ساعدك البيان.
  من هذين المثلين يتبين لنا أن خطاب الناس قد يجري على مقتضى الظاهر، وقد يجري على خلاف مقتضى الظاهر والبليغ البليغ هو الذي يقدر المواقف، ويعطي كل موقف حقه من الكلام.
  قد تقف أمام شاكٍّ في أمرٍ ما موقف من يرى أن خطابه الصحيح يحتاج إلى مؤكدات عدة، أو لا يحتاج إلى أي تأكيد أبداً، على حسب الوضع الذي يتراءى لك، وحينئذ تخاطبه باللغة التي ترى أنه يفهمها ويقتنع بها.
  وهكذا تتنوع أساليب الأخبار فمنها ما يجري حسب مقتضى الظاهر، ومنها ما يجري على خلاف هذا الظاهر، ولكل مكان ومقام، والذكي الأريب هو القادر على وضع كل شيء في مكانه اللائق والمناسب، وهو الذي يغوص في أعماق نفس الإنسان الذي يخاطبه، فيفهم ما يعتلج فيها، ويدور في حناياها، وحينئذ يختار الكلمة المناسبة لهذا الإنسان. وذلك مقتضى الحال.