المبحث الثاني الإنشاء
المبحث الثاني الإنشاء
التفريق بين الخبر والإنشاء
  يقسم البلاغيون الكلام إلى قسمين قسم يحتمل التصديق والتكذيب، ويسمونه خبراً، وقسم لا يحتمل التصديق والتكذيب ويسمونه: إنشاء وقد سبق الكلام بهذا.
  أو يقولون: إذا كان للكلام وجود خارجي قبل النطق به، فهو الخبر، وإذا لم يكن له وجود خارجي قبل النطق به، فهو الإنشاء.
  فلو سمعنا المتنبي وهو يقول:
  أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صَمَمُ(١)
  لفهمنا أن الشاعر يفتخر بأدبه، ويتيه على الدنيا بشعره الجزل، وبيانه البديع، حتى الأعمى من الناس والأصم من بني الإنسان يصبحان قادرين على البصر والسمع؛ فالأعمى ينظر إلى أدبه، والأصم يصغي إلى بيانه.
  وطبيعي أن المتنبي لم يعرب عن شديد اعتزازه بشعره، إلا بعد أن نظم عدداً من القصائد سحرت السامعين وخلبت ألباب الناس؛ وجعلتهم يعترفون له بالفحولة الشعرية والنظم الرائع وهذا ما أتاح له أن يفتخر ويتيه ويعبر عن إعجابه بنفسه وفنه.
(١) ديوان المتنبي ص ٣٣٢ ومطلع القصيدة: «وا حَرَّ قلباهُ ممَّن قلبُه شَبِم».