البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثاني الإنشاء

صفحة 100 - الجزء 1

(٩) التحقير

  وهو طلب يحمل بين ثناياه التحقير والإهانة والإذلال. كقول جرير في هجاء الفرزدق:

  خذوا محلاً ومَجْمرة وعطراً ... فلستُم يا فرزدق بالرجال

  وشموا ريح عَيْبَتِكم فلستم ... بأصحاب العِناقِ ولا النزال⁣(⁣١)

  فجرير لا يأمر الفرزدق، ولكنه يسخر منه ويحتقره، ويخاطبه بأسلوب ظاهره الأمر وباطنه الهجاء. فهو يصور الفرزدق بصورة المرأة التي تتعاطى الكحل والبخور والتجمل؛ وإنه لأصعب ما في الهجاء أن يوصف الرجل بصفات المرأة، وأن توصف المرأة بصفات الرجال.

(١٠) التسوية

  وهي طلب يوحي بأن الشيئين المراد فعلهما على حد سواء. وتختلف عن التخيير والإباحة في هدفها فلو قال لك قائل: صدق أو لا تصدق، فإنه يهدف إلى أن تصديقك وعَدَمه على قدم المساواة وحد سواء.

  ***

  وبعد، فليس لنا أن نحصر معاني الأمر فيما ذكرنا من بنود، إنما الواجب أن نفهم سياق الكلام، ونعرف نفسية المتكلم أو المخاطب، والجوّ العام الذي يُطلق فيه أسلوب الأمر، وحينئذ نستطيع أن نقول عن هذا الأسلوب القول الحق.

  وخير مثال على ما نذهب إليه استشهاد بباقة أشعار من عمر أبو ريشة؛ فيها يظهر الأمر في معان متباينة، تختلف باختلاف الظروف والمناسبات


(١) العيبة: «بفتح العين» وعاء من أدم يكون فيه المتاع.