صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [في بيان أن قوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} من المجمل]

صفحة 115 - الجزء 1

  ومثال المسألة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}⁣[المؤمنون: ٥]، إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}⁣[المؤمنون: ٧]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}⁣[التوبة: ٣٤]، إلى قوله: {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}⁣[التوبة: ٣٥].

  فالذي يدل على صحة ما قلناه: أن ذمه سبحانه وتعالى على ترك الفعل أكثر من الأمر به؛ لأنه لا يذم إلا على ترك الواجب، وقد صح أمره بالنفل فإذا ثبت ذلك، وقد تقرر وجوب الفعل للأمر، فوجوبه مع ذم تركه أولى، وكذلك تعليقه بالمدح مع أنه أمر آكد في الوجوب من الأمر المطلق، وكان ظاهر آية الإنفاق للكنز يوجب إنفاق جميع المكنوز، ويصح التعليق بظاهره لولا تخصيص الدلالة وهي قوله ÷: «كل مال أُخْرِجت زكاته فليس بكنز⁣(⁣١)»، ولم يقل ذلك ÷ إلا عند فزعهم إلى العمل بمقتضى الخطاب.

مسألة: [في بيان أن قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} من المجمل]

  عندنا أن قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}⁣[الحشر: ٢٠]، لاحقٌ بباب المجمل، وقد خالف في ذلك بعض أصحاب الشافعي، واستدلوا به على أن المسلم لا يقتل بالكافر⁣(⁣٢).


(١) رواه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في أصول الأحكام، والأمير الحسين بن بدر الدين، والطبراني في الأوسط (٦) رقم (٨٢٧٩).

(٢) من استدل من الشافعية بهذه الآية على المنع من قتل المسلم بالكافر ولو ذمياً بناءً منهم على أن الآية تقضي بنفي جميع وجوه المساواة؛ فلو قيل بجواز قتل المسلم بالكافر ولو ذمياً - كما يقتل المسلم بالمسلم والذمي بالمسلم - لكنا قد سوينا بين المسلم والكافر، مع أن أحدهما من أصحاب الجنة والآخر من أصحاب النار، والآية تمنع من استوائهما في كل الصفات.

وبطلان قولهم معلوم؛ لأنا نعلم استوائهما في صفات الذات نحو كونهما مكلفين وحيين وموجودين وقادرين وعاقلين وغير ذلك، فتبين =